دمشق | تشكّل امتحانات الشهادة الثانوية منعطفاً رئيسياً في حياة الطلاب السوريين. فبناءً على نتائجها، واستناداً إلى مبدأ المفاضلة، يحق للطالب اختيار الكلية التي يشاء في الجامعة التي يريدها. وتنحصر حظوظ طالب آخر بخيارات أقل هذا العام، إذ فقدت عملية إجراء الامتحانات جزءاً يسيراً من قدسيتها. كذلك تنازلت عن جملة من الضوابط التي ظلت تعمل بموجبها لعقود طويلة، فصار الغش ظاهرة علنية، بعد أن كثر الحديث عن تزوير وتجاوزات أخذت لاحقاً شكلاً فضائحياً.
ويعاني ريف دمشق انفلاتاً غير مسبوقٍ على مستوى الرقابة في الامتحانات، الأمر الذي أثار حفيظة طلاب سكان العاصمة، فعلت أصواتهم تطالب بالمساواة وفتح سقف «النقل» أسوة بتلاميذ الأرياف.
يقول المهندس ق. ك.، وهو والد أحد الطلاب الذين يقدّمون الامتحانات: «ابني رفض تقديم الامتحانات، وما فيك تلومو لأنو المظلوم ما بينلام، عم يشوف طلاب مو قريانين حرف، بيدخلو لقاعة الامتحان، والأجوبة بتوصلهن جاهزة عن طريق كم مراقب بلا أخلاق، وبيطلعو بالأخير جايبين علامات أكتر من الطلّاب اللي قضو السنة كلها سهر ودراسة وشقى».
وفي المقلب الآخر يدافع ابن المناطق الريفية عن حقه في «الغش»، ويعلّل ذلك بتفاوت ظروف المعيشة بين الصفيح الذي يقيم فيه والتجمعات السكانية القريبة من مركز المدينة.
«أنا ما بطفي الشمعة لأقدر كمل دراسة، وغيري ما بيعرف شو يعني شمعة»، هذه تدوينة كتبها أحد سكان جرمانا في ريف دمشق. وأضاف: «القذائف بحارتنا متل المطر، كل يوم بموت واحد من رفقاتي، الكهربا بتنقطع 18 ساعة، دروس خصوصي ما معي أدفع، وبالأخير مطلوب مني ركّز وقدم فحص متلي متل غيري!».
وعن الفساد الرسمي وممارسات بعض المسؤولين في الحقل التربوي، يقول مصدر مطّلع لـ«الأخبار»، فضّل عدم الكشف عن اسمه: «أراقب امتحانات الفرع الأدبي في حمص، رؤساء المراكز يتحملون مسؤولية مباشرة عن نزاهة إجراء الامتحانات»، لافتاً إلى أنّ «بعضهم يشهد له بنظافة كفه، وبعضهم امتهن تسريب الأسئلة لقاء عائد نقدي قد يصل إلى عتبة نصف مليون ليرة (نحو 3000 دولار)». ويؤكّد المصدر نفسه أنّ «مدير الامتحانات هو المسؤول الأول والأخير عن تعيين هؤلاء الرؤساء تبعاً لمستوى العلاقة الشخصية أو الواسطة أو المحسوبية».
ونشر ناشطون على موقع «فيسبوك» صورة قيل إنها التقطت بتاريخ 7/ 6/ 2014، أي عشية امتحان الرياضيات للفرع العلمي، تحمل نموذج الامتحان. وجرى تناقلها عبر «الواتس آب» بين الطلاب، ما خلق حالة من الغضب لدى شريحة واسعة منهم، سارعوا بدافع شعورهم بالظلم، إلى إنشاء صفحة تحمل عنوان «معاً لإعادة فحص مادة الرياضيات للثالث الثانوي العلمي».
وفاق عدد متابعي الصفحة الألف خلال أيام قليلة. وتناولت شبكات محلية متعددة نبأ تسريِب أسئلة الامتحانات في محاولة لإيصال أصوات الطلبة إلى الجهات المعنية، وفي مقدمتهم وزارة التربية.
وقد حاولت «الأخبار» التواصل مع أي من موظفي الوزارة من طريق الاتصال بسبعة أرقام منشورة على موقعها الرسمي لتراوح النتيجة بين خط مشغول لساعات طويلة وآخر لم يرد عليه.
الإعلام الرسمي الذي لا يزال مشغولاً بتغطية تبعيات الاستحقاق الانتخابي، لم يثر الجدل حول المشاكل التي تتعلّق بالغش والتزوير في الامتحانات. وحدها المنابر الأهلية الضيقة حاولت أن تسلط الضوء على شكاوى لم يعد بالإمكان تجاهلها، سواء لجهة نفيها وإعادة الاعتبار للهوية التعليمية السورية، أو لجهة إثباتها ومحاسبة المسؤولين عن تناميها وأخذها إلى هذا الشكل الفضائحي.