لم يعد العامل الموجه للقرارات الإسرائيلية يقتصر على كشف مصير المستوطنين المفقودين ومحاولة إنقاذهم، بل باتت إسرائيل في ذروة حملة عسكرية واسعة في الضفة المحتلة تتجاوز في أبعادها وأهدافها إنهاء عملية الأسر نفسها.
ففي محاولة لتحويل التحدي الذي مثلته العملية لتل أبيب إلى فرصة، تحاول الأخيرة وضع المجتمع الفلسطيني وقواه السياسية إضافة إلى فصائل المقاومة بين خيارين: إما التجند لاستعادة المستوطنين بعدما أخفقت الأجهزة الأمنية في المهمات المؤملة منها مع ما يترتب على ذلك من معادلات تتصل بمستقبل الواقع السياسي والأمني للضفة، وإما دفع أثمان تسعى إسرائيل عبرها إلى استغلال حدث تكتيكي لتحقيق أهداف استراتيجية في الساحة الفلسطينية الواضح منها محاولة اجتثاث البنية التحتية لفصائل المقاومة في الضفة.
هناك تعليقات عبرية داخلية تتطابق مع الرؤية السابقة، ومنها قول المعلق العسكري في صحيفة «يديعوت أحرونوت»، أليكس فيشمان، إن جيش الاحتلال ينفذ «عملية عسكرية واسعة ومتدحرجة تهدف إلى ضرب قواعد حماس ووجودها السياسي في الضفة»، لافتاً إلى أن «خطف المستوطنين وفر فرصة عسكرية لمرة واحدة يمكن بها إغراق مناطق أ الخاضعة للسيطرة الفلسطينية الكاملة». وأضاف فيشمان: «إسرائيل تعتزم استغلال الفرصة العسكرية حتى النهاية، وأيضاً استغلال الأجواء الدولية، من أجل تنفيذ عمليات تمشيط دقيقة لمدة طويلة، في مناطق السلطة وقمع قواعد حماس فيها قدر الإمكان».

صحف عبرية: نتنياهو يسير في تعامله مع «حماس» على خطى السيسي

في السياق، أوضح معلق الشؤون الأمنية في صحيفة «هآرتس»، أمير أورن، أن «رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو هو الذي طرح فكرة إبعاد قادة حماس من الضفة إلى غزة لكن الجيش عارض ذلك». وتابع: «نتنياهو اقترح هذه الفكرة لأن إسرائيل أخفقت حتى الآن في كشف هوية الخاطفين واحتمال صعوبة الوصول إليهم في المدة القريبة المقبلة». ورأى أورن أن إبعاد قيادة «حماس» سيكون بالنسبة إلى إسرائيل «معاقبة للذات»، موضحاً: في أعقاب خطوة مماثلة لن يوافق الرئيس الفلسطيني محمود عباس على العودة إلى المفاوضات».
في تشبيه لافت، وصف المحلل العسكري في موقع «واي نت»، رون بن يشاي، ما يفعله نتنياهو بأنه «سيرٌ على خطى الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي»، مؤكداً أن «الحكومة العسكرية قررت مباشرة حملة واسعة لتوجيه ضربة قاصمة إلى حماس في الضفة». وقال بن يشاي: «ما فعله السيسي بالإخوان المسلمين منذ تموز 2013، ينفذه رئيس الوزراء ووزير الدفاع موشي يعلون تجاه حماس، وكما أدى الرئيس المصري خطوات منهجية لمنع إعادة انبعاث الحياة السياسية للإخوان في مصر تحبط الحكومة الإسرائيلية والجيش والشاباك إمكانية أن تسيطر حماس على الشارع في الضفة».
رغم ذلك، رأى المحلل العسكري أن هناك فرقاً واضحاً بين الطرفين لجهة «أن إسرائيل تنشط بانتظام وصورة جذرية ضد حماس، لكن أسلوب السيسي مغاير، والهدف مشترك». وأوضح أن هناك تبايناً في مستوى القلق بين أجهزة الاستخبارات الإسرائيلية إزاء «تسرب الإسلام السياسي والمتطرف إلى الحدود الإسرائيلية وفي الضفة»، لافتاً إلى أن أول من حذر من ذلك هو قسم الأبحاث في الاستخبارات العسكرية (أمان). واستدرك بن يشاي: «قلق الشاباك من ذلك كان أقل، لكن مستوى القلق ارتفع في إسرائيل بعد المصالحة بين فتح وحماس، وتحول إلى حالة شبه هستيرية عندما اتضح أن التهديد يتحقق، أي بمعنى أن المصالحة بدأت بالتكون في صورة حكومة مشتركة»، ويظن أنه بسبب أسر المستوطنين الثلاثة «فقد تخسر حماس على المدى البعيد هدفها الاستراتيجي في السيطرة على الساحة الفلسطينية، وخاصة الضفة، في حين أن قطاع غزة لا يزال تحت سيطرتها».
بن يشاي خلص إلى أن الحملة العسكرية الواسعة في الضفة لا تسعى إلى تحرير المخطوفين، «بل إحباط سيطرة حماس على السلطة ومنظمة التحرير». مع ذلك، كشف ما يمكن تسميته المعادلة التي تحاول إسرائيل فرضها على الفلسطينيين عموماً و«حماس» خاصة، فهو يرى أن هذه العملية قد تسهم في العثور على المستوطنين الثلاثة «لأنها تشكل ضغطاً على المدنيين وتضع قادة حماس في إشكالية بين تفضيل مصالحهم السياسية البعيدة المدى في الضفة، وبين الاستمرار في إخفاء المختطفين والتفاوض على تحريرهم في صفقة برغم إدراكها أن كل يوم دون تحريرهم يعني أن الحركة تبتعد عن المصالحة السياسية، وأنها قد تتعرض لما تعرض له تنظيم الإخوان في مصر بسبب اندفاع الرئيس المعزول محمد مرسي ورجاله».
أما المعلق السياسي في صحيفة «إسرائيل اليوم»، يوآف ليمور، فأشار إلى أن رد الفعل الإسرائيلي على أسر المستوطنين يجري على مسارين متوازيين: عملياتي واستراتيجي. في ما يتعلق بالمسار العملياتي، هدفه مطاردة المنفذين للوصول إلى المستوطنين الثلاثة، في حين أن المسعى الاستراتيجي هو ضرب حماس مباشرة بصفتها المسؤولة عن العملية». وأكد ليمور أن إسرائيل تستغل العملية لتوجيه ضربة إلى البنية العسكرية والسياسية والأيديولوجية والاقتصادية للحركة في الضفة.
عن رد الفعل، رأى المعلق العسكري في «هآرتس»، عاموس هرئيل، أنه في الوقت الذي تقدر إسرائيل فيه أن قيادة «حماس» غير معنية بتصعيد عسكري، فإن «ناشطيها الميدانيين ورجال الجهاد الإسلامي لن يبقوا مكتوفي الأيدي إذا ما اشتعلت الضفة»، مشيراً إلى أن «خطف المستوطنين حدث تكتيكي شديد، لكنه قد ينتقل إلى تصعيد استراتيجي». ويصف هرئيل الوضع بالنسبة إلى الرئيس عباس بأنه معادلة «خسارة ـ خسارة »، قائلًا: «من جهة يندد به نتنياهو على خلفية مسؤوليته غير المباشرة عن العملية، وإذا ساعد علناً في العثور على الخلية التي نفذت العملية، سيتهمه جمهوره بأنه عميل لإسرائيل».
في إطار متصل، قالت المتحدثة باسم الخارجية الأميركية، جين ساكي، إن بلادها مستمرة في التعاون مع الحكومة الفلسطينية والرئيس عباس «برغم تحميل إسرائيل مسؤولية عملية الخطف لحركة حماس شريك عباس في الحكومة». ووفق ما نقل عن موقع صحيفة «معاريف» أمس، أشارت ساكي إلى أنه برغم وجود دلائل قوية على وقوف «حماس» خلف العملية، فإن إدارتها لن تتسرع في اتخاذ موقف ضد الحكومة الفلسطينية «لأنه لا يوجد تمثيل للحركة داخل هذه الحكومة».
(الأخبار)