لم تنته بعد فصول المعارك على حدود القلمون السورية والجرود المقابلة لها في الشرق اللبناني. مرّ أكثر من شهرين على وقوع بلدة رنكوس، آخر معاقل المعارضة السورية المسلحة في القلمون، بيد الجيش السوري، فيما بقي انتشار عشوائي لنحو 3 آلاف مسلح في بقعة جردية قاحلة مشتركة بين لبنان وسوريا، عرضها نحو 15 كلم وطولها يتعدى الـ100 كلم.
لا شكّ في أن أمام الجيش اللبناني مهمة عسكرية كبيرة في المقبل من الأيام، بالتزامن مع عملية عسكرية بدأ الجيش السوري بتنفيذها في أراضيه المقابلة. قرار الجيش اللبناني بالسيطرة على المنطقة اللبنانية من الجرود لم يعد خافياً على أحد، في ظلّ حشود المدرعات والجنود التي تصل إلى البقاع الشرقي تباعاً. فالمسلحون الموزعون على «كتائب» أبرزها «جبهة النصرة» و«الكتيبة الخضراء» و«أنصار الشريعة» و«كتيبة بلال الحبشي» و«مغاوير القصير»، يعانون نقصاً حاداً في الحاجات الأساسية من طعامٍ وشراب، ما سيدفعهم في الفترة المقبلة إلى التغلغل أكثر في البلدات اللبنانية، لأنّ الأراضي السورية بعد استعادة الجيش السوري السيطرة على القلمون بعيدة المنال.
وما يزيد الأمر تعقيداً في المرحلة الحالية هو عزم الجيش السوري، كما تشير وقائع الميدان وتؤكّده مصادر عسكرية سورية، على مطاردة المسلحين في الجرود. وهذا ما سيدفع المسلحين إلى دخول الأراضي اللبنانية وتنفيذ عمليات قتل واختطاف وسرقة، على غرار ما تعانيه بلدة عرسال حالياً، بالإضافة إلى البيوت والكسارات المتاخمة للجرود في بلدة رأس بعلبك، وصولاً إلى القاع.
وعلمت «الأخبار» أنّ مفاوضات يسعى إليها عدد من المسلحين تقضي بـ«استسلام السوريين منهم للجيش السوري، مع ضمانات بعدم قتلهم»، فيما «يسعى الأجانب للحصول على ممرات آمنة برعاية الأمم المتحدة إلى خارج الأراضي السورية».
مصادر ميدانية لبنانية تؤّكد أن «الجيش بدأ بالفعل تنفيذ خطة عملية تقضي بحماية القرى القريبة من الجرود، تمهيداً لبدء مطاردة الإرهابيين في الجرود الوعرة»، إضافة إلى استعادة السيطرة على مواقع بعيدة عدة، كان الجيش قد أخلاها في العامين الماضيين، إثر تمدّد المعارضة المسلحة في القلمون، حينها، وتراجع الجيش السوري.

الجيش اللبناني
سيستعيد بضعة
مواقع أخلاها في المرحلة الماضية

وتشير المصادر إلى أنّ «المنطقة الممتدّة من الجرود القريبة من بلدة الطفيل اللبنانية جنوباً، التي تقابلها بلدة عسال الورد السورية، مروراً بجرود عرسال والجرود الشرقية لبلدة القاع، ستكون مسرحاً للعمليات». وتعوّض المساحة الواسعة ووعورة الجبال التي ينتشر فيها المسلحون، غياب التجمّعات السكانية اللازمة لعملية اختبائهم. إذ يستخدم هؤلاء عدداً من المغاور والمزارع الصغيرة النائية بين الجروف الصخرية في المنطقة الممتدة جنوباً من خربة يونين، الزمراني، الشاحوط أو جبل حليمة (منطقة مشرفة ارتفاعها 2170)، خربة داوود، وادي الخشن، حوِّرتا، وادي بو عيون، ما قد يطيل أمد المعركة، على الرغم من وجود نقص حاد لدى المسلحين في مصادر الذخائر والإمداد.
وبحسب المعطيات الميدانية، فإن منطقة «المراح» في وادي «حوِّرتا» تبدو أكبر التجمعات وأخطرها، إضافة إلى إحدى المغاور الضخمة في وادي «بو عيون».
وعلى ما تقول المصادر، فإن «الدعم المعنوي والمادي الذي كان مسلحو المعارضة يحصلون عليه من أبناء بعض القرى اللبنانية، وعلى وجه التحديد بلدة عرسال، قد تحوّل اليوم إلى نقمة، بفعل ممارسات المسلحين التي عاثت في البلدة قتلاً وسرقةً في العام الماضي، والإعدامات المتفرقة بحقّ عدد من اللبنانيين الأبرياء، وآخر فصول الاعتداءات هو خطف المواطن مخايل مراد من بلدة رأس بعلبك والمطالبة بفدية لإطلاق سراحه».
وفي الوقت الذي بدأ فيه الجيش اللبناني تحضيراته للعملية العسكرية، يزيد الجيش السوري من ضرباته المدفعية والجوية لنقاط تمركز المسلحين في الأراضي السورية، إمّا خلال تجمّعاتهم التي تسبق هجوماً على إحدى نقاط الجيش، أو في أماكن محدّدة تشكّل ما بقي من مخازن الذخيرة والإمداد في الجرود.
وتقول مصادر متابعة للعمليات العسكرية على جانبي الحدود، إن «التنسيق بين الجيشين سيصبح ضرورة قصوى في الأيام المقبلة لتحقيق النتائج المرجوة في إنهاء حالة الإرهابيين على الحدود، بالإضافة إلى إمكانية استخدام الجيش اللبناني للطيران المروحي في ملاحقة المسلحين، بالتزامن مع استخدام القوات السورية للطائرات المقاتلة».
وعلمت «الأخبار» أن جهوداً يبذلها معنيون للعبور فوق «القطيعة المرحلية بين الجيشين»، كما تسميها المصادر، و«إعادة التنسيق بين الجيشين بما يخدم مصلحة البلدين وإطار مكافحة الإرهاب».