نعترف اليوم أمامكم، بصوتٍ مرتفعٍ، بأن الفلسطيني دائماً وحيد. لا يشاركه أحد وجعه. اللهم إلا القليل، والمشاركة الأكثر إبهاراً تكون – عادةً – طعنةً في الظهر: شماتةٌ به، تصغيرٌ بمقاومته، وفوق كل هذا التطرّب على فكرة: أنتم خارج فلسطين تختلفون عمّن في داخلها. في الداخل أنتم مقاومون، وفي الخارج أنتم خونة.
كيف يستطيع إخوتنا العرب التفكير بهذه الطريقة؟ لا أحد يعلم. كيف يستطيعون القول إن الدم الفلسطيني الذي يسقط خارج فلسطين يختلف عن الذي يسقط داخلها، لا أحد يعلم. لكن جل ما نعلمه هو أننا وحدنا. خلقنا وحدنا، وسنبقى وحدنا؛ وسنموت وحدنا، بالتأكيد. هو ليس استنتاجاً جديداً، نحن نرى، ونشاهد؛ بصمت. فبعد اعتصام الأسرى الطويل (أكثر من 53 يوماً) اكتشفنا كم نحن وحدنا، مرة أخرى، وكم أن قضيتنا تخصّنا وحدنا، وكل من يتشدّق بالحديث عنها غير معني بها. كل جماهيره غير معنية، كل وسائل إعلامه غير مهتمة، وكل ما يهمه من الأمر هو كيف يستفاد من القضية. كيف نعرف ذلك؟ راقبوا إخوتنا العرب، من الخليج الثائر إلى المحيط الهادر، يتلهون بأي شيء، ولديهم القدرة على تضييع أوقاتهم في أي نقاشٍ وخلاف، خلا الدفاع عن أسرى فلسطينيين من المفروض أنهم يعتبرونهم «قضيتهم المركزية». الحقيقة الوحيدة هي: فلسطين ليست القضية المركزية إلا للقلة القليلة. القابضون على جمرها، وهم كما أشرتُ: قلة. إذاً، فلننسَ المجتمع العادي، ماذا عمّن يدّعون أنّهم «خيرة المجتمع»، الطيبون الحساسون، أولئك المرهفة مشاعرهم تجاه صورةٍ حزينة، أولئك الذين يتحدثون طوال الوقت عن عملهم «الإنساني». ماذا عن الجمعيات «المدنية»؟ الجمعيات الأهلية والأوروبية والإنسانية وحقوق الإنسان وكل هذه الترهات والأكاذيب والخدع، لم تحرّك ساكناً لما يحدث في فلسطين.

فلسطين ليست القضية المركزية إلا للقلة القليلة
لم يتحركوا من أجل الأسرى، ولا من أجل ما يحدث اليوم في الخليل. نحن الفلسطينيين، هذه هي الحياة التي اخترناها، ونعرف أنها حياةٌ واحدة. نعرف ذلك تماماً، وهو موتٌ واحد كذلك. لن يقتلنا أحدٌ مرتين، وإذا قطّعت جثثنا أو مُثِّل بها لن يعنينا الأمر، إذ إننا أموات أحياء. لذلك نحن لا نخاف شيئاً أو أحداً. ولا يهمنا كيف سنموت، «الغزلان تموت عند أهلها، أما الصقور: فلا يهمها أين تموت»، كما يقول الكاتب الفلسطيني غسان كنفاني. منذُ أيامٍ قرر فتيتنا المقاومون التحرك لإخراج إخوتهم من السجون، فعلوا ما يعرفونه جيداً، ضربوا الصهيوني في نقطة ضعفه: جنوده ومستوطنوه. هم يعرفون أن هذا الصهيوني لا تعنيه العدالة الدولية ولا القانون.
كل ما يفهمه هو القوة. هل تتناقش مع قرشٍ مفترسٍ يدور حولك مثلاً؟ هل يهتم نمرٌ جائعٌ بالقوانين والعقوبات التي ستفرض عليه؟ اختار شبابنا أن يضربوا ذلك المكان الحساس، فأسروا 3 «شلاليط» هذه المرة (في إشارة إلى جلعاد شاليط الأسير الصهيوني السابق لدى المقاومة). ولندع التفاؤل جانباً. قد تنجح العملية وقد لا تنجح، لكن مجرد حدوثها هو إشارةٌ بكل اللغات لأن نبض الشعب الفلسطيني هو هكذا: مقاومة. باختصار، فصلاً للخطاب: إننا مصلوبو هذا الكوكب، مستضعفوه، نعرف ذلك، وندركه، وكلما شتمنا أحدٌ، أو أهاننا، أو سجننا، أو قتلنا أو عذبنا، نعرف طريقنا، ونعرف ماذا نريد. للشاتمين نقول: زيدوا شتائمكم، للكارهين زيدوا كراهيتكم، للأغبياء زيدوا ما تفعلونه، وللقتلة نفس الشيء. طريقنا واحدٌ مرسوم، نعرفه جيداً ويعرفنا: فلسطين.