القاهرة | لم يعد للأميركيين مجالٌ سوى الاعتراف والإقرار الكامل بما أفرزته خريطة الطريق التي رسمها عبد الفتاح السيسي حين كان وزيراً للدفاع في عهد الرئيس المعزول محمد مرسي. مضى حوالى عام على تململ البيت الأبيض وقطعه المساعدات عن مصر، لكنه شد الحزام وقرر جعل القاهرة أولى محطات زيارة وزير خارجيته، جون كيري، للشرق الأوسط لترتيب الملفات، على شرط أن يجمّل المصريون صورة بلادهم ديموقراطياً.
افتتح كيري حزمة العروض الجديدة بامتياز أعلن فيه أن بلاده ستزود الجيش المصري بطائرات أباتشي (10 طائرات) في وقت قريب جدّاً. جاء هذا في المؤتمر المشترك الذي عقده مع نظيره المصري، سامح شكري، أمس. في المقابل، لمح إلى أن السيسي وعده بـ«إعادة تقييم قانون التظاهر وأحكام الإعدام».
الوزير الأميركي رفع عالياً شعار بلاده بالقول إنها تدعم «الانتقال السياسي وحقوق الإنسان في مصر»، مثنياً على «صراحة السيسي في تعامله مع الموقف الراهن». وشدد في الوقت نفسه على أن واشنطن «تلتزم الشراكة التاريخية مع القاهرة، إضافة إلى مساعدتها على تخطي التحديات الاقتصادية».
كل ذلك كان جزءاً مما أعلن للصحافة عبر المؤتمر، لكن مصادر مقربة من الرئاسة ذكرت لـ«الأخبار» أن وضع العراق كان من أبرز الملفات التي تناولها اللقاء. تستطرد المصادر: «عربون تعاون... هذا ما قدمه الأميركيون للقاهرة بالإفراج عن مساعدات عسكرية بقيمة 572 مليون دولار، مع إرسالهم إشارات واضحة بالإفراج عن باقي المساعدات (70 مليوناً) في وقت قريب، برضى من الكونغرس»، مشيرة إلى أن كيري طرح على السيسي ضرورة وضع بغداد ضمن أولويات السياسة المصرية الخارجية، «وذلك بأن تتولى القاهرة الاتصال بالجانب السني هناك الذي تربطها به علاقات قوية».

كيري طلب من
السيسي حضوراً مصرياً لدى سنّة العراق

كذلك، طرح وزير الخارجية في الاجتماع الذي امتد لنحو ساعة ونصف تداعيات الملف الليبي والتطورات التي جرت في المنطقة «بعد زيادة نفوذ جهات خليجية لمجموعات مسلحة تتمركز قرابة الحدود بين البلدين». هنا أيضاً «على مصر أن تتولى إدارة المفاوضات في هذا الملف الشائك»، كما نقلت المصادر وصف كيري له، «وهو الذي وعد السيسي بمساعدة أميركية في محاربة الإرهاب داخل سيناء».
كل هذا الكرم يوحي برغبة الولايات المتحدة في إعادة نهر العلاقات مع القاهرة إلى سابق عهده، عبر وضعها القاهرة في مكان مركزي يضمن لها دوراً كبيراً في ملفات المنطقة، وهو أيضاً يرضي السعودية الحليف الأكبر للنظام الحالي، وخاصة بعد انزعاج الرياض من طريقة تعامل إدارة باراك أوباما مع الملف السوري والإيراني. رغم ذلك كله، وضع كيري حائط صد بإعرابه عن خوفه من تقييد الحريات وأحكام الإعدام الكثيرة في مصر.
عند هذا النقطة، تذكر المصادر أن السيسي أكد عزمه على مواصلة خريطة المستقبل، بما فيها «محاربة الإرهاب في سيناء دون مساعدة من أحد»، لافتة إلى أنه يجري العمل على التجهيز لعقد الانتخابات البرلمانية في شهر تموز المقبل. وهو فعلاً ما جرى إعلانه في بيان للرئاسة صدر عقب الاجتماع وفيه «بدء إجراءات عقد الانتخابات البرلمانية قبل 18 تموز المقبل».
الرئيس المصري، وفق المصادر نفسها، نقل تحذيرات إلى كيري بالقول: «نخشى أنكم لا تدركون مغبة تداعي الأوضاع في دول المنطقة (في إشارة إلى العراق وسوريا وليبيا)، فهذا ينذر بامتداد الخطر إلى بلدان أخرى، وربما خارجها أيضاً»، منبهاً إلى تزايد أعداد المقاتلين الأجانب المنخرطين في الصراعات الدائرة حاليّاً. وتابع السيسي قائلاً: «يتعين على الإدارة الأميركية الانتباه إلى كيفية اعتناق هؤلاء المقاتلين الفكر التكفيري في دولهم الأصلية، وهم يستغلون أجواء الحريات التي تتيحها القوانين المعمول بها في دولهم»، معيداً تأكيد أن تضافر الجهود لمحاربة الفكر التفكيري ركيزة أساسية لكل دول العالم.
جون كيري رد على هذا بالقول إن واشنطن حريصة على التعاون مع القاهرة بالاستناد إلى العلاقات التاريخية بينهما، لافتاً إلى أن أهمية مصر ترجع إلى كونها تمثل جزءاً كبيراً من سكان الوطن العربي، «ولما له من ثقل في الشرق الأوسط».
أما عن ملف «الانتهاكات بحق أنصار مرسي، أو المعارضين السياسيين»، فلم يختف الحديث عنها من كلام كيري. هو أكد قلق إدارته بشأن تصاعد وتيرة الأحكام القضائية ضد المعارضين. لكن الجانب المصري ظل على تحفظه على ما ذكره الوزير الأميركي، مشدداً على ثقة الحكومة والدولة بمؤسسة القضاء المعنية بهذا الملف.
رغم ذلك، أجرى كيري خلال زيارته القصيرة لقاء مع ممثلي عدد من منظمات المجتمع المدني ومجموعة من الناشطين السياسيين والحقوقيين «للاطلاع على موقفهم من الأحداث السياسية». وقالت مصادر حضرت اللقاء إن أغلب المشاركين وجّهوا انتقادات شديدة للبيت الأبيض وسياسته تجاه مصر منذ «30 يونيو واستمرار دعمهم الإخوان المسلمين». في المقابل، أبدى كيري استعداده للتعاون مع المجتمع المدني من دون أن يتطرق إلى ملف إغلاق الجمعيات الأهلية التابعة لجماعة «الإخوان».
وفي ما يتعلق بأحكام الإعدام، قرر النائب العام المصري، هشام بركات، الطعن أمام محكمة النقض على كل الأحكام الصادرة عن محكمة جنايات المنيا (وسط البلاد) في أحداث منطقة «العدوة»، وأبرزها تثبيت الإعدام لـ 183 شخصاً، بينهم قادة في الإخوان إلى جانب المرشد العام. بركات تلا قراره أمس في بيان مقتضب، مبرراً ذلك بـ«الحرص على حسن سير العدالة والتطبيق الصحيح لأحكام القانون».