عمّان | بينما أصبح لوجود «داعش» خريطة في كل من سوريا والعراق، صار الأردن على مرمى حجر من مقاتلي الدولة الذين سيطروا لساعات على معبر طريبيل الحدودي، لكن الجيش العراقي قال لاحقاً إنه استعاده وأخرج المسلحين منه. كذلك تحدثت مصادر عن مشاركة أردنية في قصف أرتال «داعش»، مع أن الجهات الأمنية في المملكة ترفض تأكيد ذلك أو نفيه.
رغم «الكر والفر» المبدئي على الحدود التي تمتد لـ181 كلم، فإن سيطرة «داعش» على مناطق واسعة في العراق يثير مخاوف الأردن من تمدد التنظيم إلى المملكة التي تعاني أمنياً لوجود عدد كبير من السوريين اللاجئين، في مقابل مشاركة حوالى ألفي أردني في المجموعات الإسلامية المسلحة. تلك المجموعات لم تخف أن الأردن قد يكون الهدف القادم، وهذا ما ظهر عبر مقاطع فيديو كثيرة انتشرت على يوتيوب الذي هو منصة رئيسية لإعلام المسلحين.
ويقول إبراهيم س.، وهو عراقي يعمل مديراً فنياً في أحد المصانع الأردنية، إنه متردد منذ أسبوع في العودة إلى العراق عبر المنفذ البري الذي اعتاد أن يسلكه بسيارته الخاصة، قائلًا لـ«الأخبار» إنه تلقى اتصالاً من ذويه وأصدقائه هناك يحذرونه من العودة عبر البر، «لأن مسلحين يتبعون لداعش أقاموا نقاط تفتيش على طريق عمان ــ بغداد الدولي».

تخشى عمان
من حركة نزوح كبيرة نتيجة الحرب في العراق
رسميّاً، أعرب رئيس لجنة الشؤون الخارجية في مجلس النواب، حازم قشوع، عن امتعاضه من انسحاب القوات العراقية من المناطق الحدودية، «ما أدى إلى مشكلة حقيقية على الحدود». وعن وجود امتداد لتنظيم «داعش» داخل الأردن إلى جانب المد السلفي القائم في المملكة أصلاً، أوضح قشوع لـ«الأخبار» أن المنطقة تعيش مخاضاً عصيباً، «لذلك علينا الوقوف موحدين في المعارضة والموالاة مع الجيش والقوات المسلحة». وكشف عن زيارة ميدانية للنواب الأردنيين إلى الحدود مع العراق، مضيفاً: «هناك اتصالات مع برلمانيين ومسؤولين عراقيين بهدف التشاور أمام هذا الخطر القادم».
رغم الأنباء عن استعادة معبر طريبيل، أظهرت مقاطع فيديو المعبر وهو خال من قوات الجيش العراقي، لكن مصادر عسكرية أردنية ذكرت أنها استنفرت عشرات الوحدات قرب المعبر، خاصة أنه يعتبر الرئيسي مع العراق. كذلك ذكر شهود عيان لـ«الأخبار» أن أرتالاً من الدبابات وناقلات الجنود وراجمات الصواريخ وصلت إلى تلك المنطقة.
ونفى المتحدث باسم الحكومة الأردنية، الوزير محمد المومني، أن يكون الأردن قد اتخذ قراراً بإغلاق الحدود مع العراق، لكنه أكد في تصريحات صحافية أن الحركة على المعبر في أدنى حدودها.
«الأخبار» استطلعت المشهد من وجهة نظر عسكرية، وهو ما أجاب عنه اللواء الركن المتقاعد محمد خريسات الذي كان مديراً لعمليات حربية سابقاً، ويعمل حالياً في كلية الدفاع الملكية. خريسات يخشى سيناريو بات متوقعاً، وفيه «أن تضطر حكومة نوري المالكي بدعم من إيران والولايات المتحدة إلى شن هجوم معاكس وفي وقت قريب، وذلك على المناطق التي يسيطر عليها داعش، ما قد يؤدي إلى موجة نزوح لن تستطيع عمان تحملها أو التعامل معها».
وأضاف أن هناك «حاضنة شعبية سهّلت لداعش أن يتمدد بهذا الشكل، ولا يخفى وجود طلائع لها في الممكلة التي هي أصلاً ضمن المنظومة الأيديولوجية لتنظيم الدولة». مع ذلك، فهو شدد على أن «التحصين الداخلي وجاهزية الجيش الأردني سيفوتان الفرصة عليهم».
على مدى أبعد، يرى الباحث في الحركات الإسلامية إبراهيم الفيومي أن الخطر ليس بتأثيراته الآنية «لأن المشكلة هي في منهج فكري المطلوب من الجميع الانتباه إلى مخاطره»، موضحاً أن «الجهاديين المرسلين إلى العراق وسوريا من الأردنيين باتوا حقيقة ثابتة، وقد عرض التلفزيون السوري منذ ثلاثة أشهر تقريباً صوراً لأشخاص من داعش وجبهة النصرة قبض عليهم، ثم عُرف أن منهم من كان يقطن مخيم عزمي المفتي قرب إربد (شمال)، وآخرون من معان (جنوب)، ومن الزرقاء وبلدات أخرى».
الفيومي نبّه في حديث مع «الأخبار» إلى وجود حاضنة وخلايا نائمة لهذا التنظيم في الأردن، «وساهم في ذلك تعيين أعداد واسعة من السلفيين أئمة وخطباء للمساجد استطاعوا استمالة البسطاء إلى فكرهم»، مذكراً بتقديم قيادات من جماعة الإخوان الأردنية العزاء بأبو مصعب الزرقاوي، «وهو ما يعني تبنّي نهجه في التكفير والعمل المسلح».
مع ذلك، لا يمكن الربط بين ذلك الحدث والموقف الحالي للإخوان، فقد قال الأمين العام لحزب جبهة العمل الإسلامي، الذراع السياسية للإخوان الأردنيين، حمزة منصور، إن «داعش» ذات خلفية قاعدية، وإنها مرشحة للتوسع إن بقيت الأمور على هذه الحال في الوطن العربي. وجاء حديث منصور الاسبوع الماضي بعد أن منع حزبه من إقامة مؤتمره العام الرابع في أي من القاعات الرسمية أو الخاصة، ما فُسّر بأنه أمر حكومي، وهو ما حدا بهم إلى عقده في ساحة عامة.
في مؤتمر صحافي بعد الفعالية أضاف الرجل: «لن يبقى مكان بمنأى عن القاعدة، ونحذر الأنظمة العربية من محاربة الوسطية والإسلام المعتدل، لأنهم يعطون بذلك وقوداً للتنظيمات الجهادية». وطالب القيادي الإخواني الحكومة الأردنية بالإصلاح وبمزيد من التمثيل لإرادة الشعب «حتى لا تحدث خروق في جدار الأمن، لأن وجود داعش كان رداً على العنف الداخلي والاحتلال الأميركي».
ويسجل أن قيادات التيار السلفي الجهادي في المملكة انضموا إلى زعيم القاعدة، أيمن الظواهري، في انتقاد وحشية «داعش»، ومنهم الداعية إياد القنيبي الذي حاورته «الأخبار» قبل نحو أسبوع، وما لبث أن اعتدى عليه ستة أشخاص يشتبه في أنهم من مؤيدي تنظيم «داعش» في الأردن وحطموا سيارته.