في الوقت الذي تتواصل فيه الضغوط الإسرائيلية على الرئيس الفلسطيني محمود عباس، لتفكيك المصالحة مع حركة «حماس»، تجنح تقديرات الأجهزة الإسرائيلية إلى اعتبار أن الحملة العسكرية في الضفة المحتلة قد استنفدت نفسها، وفي النتيجة ضرورة الانتقال إلى التركيز على الأساليب الاستخبارية. هذا يجري بالتوازي مع استمرار القلق في الأوساط الإسرائيلية إزاء مصير المستوطنين الثلاثة، رغم أن فرضية العمل لدى الجيش تنطلق من أنهم لا يزالون أحياء.
ويؤكد وزير الدفاع الإسرائيلي، موشيه يعلون، أن الدوائر الأمنية لم تغير نشاطاتها العملانية المبنية على فرضية أن المستوطنين الثلاثة «على قيد الحياة»، مشدداً على أن «العثور عليهم يتصدر أولويات قوات الأمن». مع ذلك، رأى رئيس مجلس الأمن القومي السابق، اللواء احتياط غيورا ايلاند، أن «نقص المعلومات لا يبشر بخير بالنسبة إلى مستقبلهم (المستوطنين)»، مشيراً إلى أنّ «من الصعب الإبقاء على المخطوفين أحياء، وإن كان الوضع خطراً ومأساوياً، فهذا يعني أنه قد جرى المسّ بهم». وأضاف ايلاند: «بصورة طبيعية لا يوجد نشاطات أكثر من ذلك، لكننا آجلاً أو عاجلاً سنصل إليهم».
ويتبلور في المؤسسة الأمنية تقدير مفاده أن الحملة العسكرية في الضفة تقترب من استنفاد نفسها بصيغتها الحالية، وهذا ما خلصت إليه أيضاً جهات سياسية استناداً إلى أحاديث أجرتها مع مسؤولين في وزارة الدفاع خلال الأيام الأخيرة. ورأت أن الجيش بات يظن أنه ستكون هناك حاجة قريبة إلى تغيير طريقة الحملة والعودة للتركيز على المستوى الاستخباري. كذلك، يسود قدر من القلق في أوساط الأجهزة الأمنية من الارتفاع في عدد المصابين الفلسطينيين وإمكانية استمرار المواجهات حتى شهر رمضان الذي يبدأ في غضون أقل من أسبوع، إلى جانب أن معظم الناشطين الذين كانوا ضمن قائمة الاعتقالات الخاصة بالجيش الإسرائيلي والشاباك قد اعتقلوا، لكن هناك صعوبة في عرض ما يكفي من الأدلة لتقديم قسم كبير منهم إلى المحاكمة. في ضوء كل هذه المعطيات، تتعزز التقديرات بأن الصيغة الحالية للحملة العسكرية قد استنفدت، وأن هناك حاجة إلى تغيير العمل في غضون بضعة أيام، لذلك يبدو أن جيش الاحتلال يفضل تقليص انتشار قواته بقدر ما، والعودة إلى نشاط استخباري أكثر تركيزاً هدفه العثور على المخطوفين. كل هذا العمل يتزامن مع حقيقة أنه كلما مر الوقت «يتعاظم الخوف على حياة المستوطنين». في المقابل، لا تزال هناك أصوات من داخل الحكومة الإسرائيلية تشدد على ضرورة مواصلة الضغوط على «حماس» بكل الطرق الممكنة. من هذه الأصوات القيادي في حزب «الليكود»، ووزير الداخلية، غدعون ساعر، الذي رأى أنه «في جبهة الدعاية ينبغي تأكيد حقيقة أن أبو مازن يغطي حماس بعدما عقد حلفاً سياسياً معها».
أما رئيس «الحركة»، تسيبي ليفني، فأكدت أن الحملة «لن تتوقف قبل أن تصل إلى نتائج»، لكنها ذكّرت بالموقف السياسي والأمني لحزبها، «وهو يستند إلى ثلاثة مبادئ: استخدام القوة ضد المنظمات الإرهابية، والعمل مع السلطة التي تمثل الفلسطينيين، والتوصل إلى اتفاق مع منظمة التحرير التي يترأسها أبو مازن».
من جهة أخرى، ذكرت تقارير إسرائيلية، بعد السماح بنشرها، أن الأجهزة الأمنية ألقت القبض على منفذ العملية التي أدت إلى مقتل الضابط باروخ مزراحي، ليلة عيد الفصح في 14 نيسان الماضي، وهو زياد عواد، أحد المحررين من السجون الإسرائيلية الذين أفرج عنهم في صفقة تبادل الأسرى الأخيرة مع حركة «حماس» مقابل الجندي الإسرائيلي غلعاد شاليط.
التقارير لفتت إلى أن «الشاباك» نجح في اعتقال عواد بعد أسبوعين من العملية، «إلى جانب ابنه عز الدين الذي ساعده في جمع الآثار من ورائه، لكن بقيت في مكان الحادث بصمات يديه التي ساعدت في اكتشافه وبقايا الحمض النووي DNA على مخزن للذخيرة».
ونشرت القناة العبرية العاشرة فيديو اعتقال قوات المحرر عواد وابنه من منزلهما في بلدة إذنا في الخليل، ويظهر فيه استخراج سلاح الكلاشنيكوف الذي نفذت به العملية وكان مخبأ في البيت. وعواد (42 عاماً) اعتقل عام 1999 بتهمة قتل عميل وحوكم بالسجن 27 عاماً، وأُفرج عنه في صفقة عام 2012.
في أعقاب الكشف عن منفذ تلك العملية، استغل الموقف رئيس «البيت اليهودي»، الوزير نفتالي بينيت، ليكرر موقفه بشأن رفض إطلاق سراح معتقلين فلسطينيين من السجون الإسرائيلية ضمن عمليات التبادل، قائلاً إن ذلك سيؤدي إلى الحكم على مصير عائلات بأكملها. وشدد في الوقت نفسه على ضرورة «منع تحرير إرهابيين في أي حال من الأحوال».