القاهرة | لا تزال عواصف القضاء المصري مستمرة، فلم يمر سوى 48 ساعة فقط على الحكم بإعدام 183 شخصاً متهمين في قضايا الاحداث في محافظة المنيا في صعيد مصر، حتى أصدرت محكمة جنايات القاهرة حكماً جديداً بمعاقبة 18 شخصاً بينهم 4 مراسلين أجانب في قناة «الجزيرة» القطرية بالسجن المشدد لمدة تراوح بين 7 و10 سنوات مع براءة متهم واحد فقط هو انس البلتاجي، ابن القيادي الإخواني محمد البلتاجي.
والمراسلون هم الأوسترالي بيتر جريست مراسل الجزيرة في كينيا ومحمد فهمي الذي يحمل الجنسيتين المصرية والكندية ويرأس في مصر قناة «الجزيرة»، التي تبث برامجها بالإنجليزية وباهر محمد وهو مصري، إضافة إلى الهولندية رينا نيتجيس.
ووجهت المحكمة للمتهمين اتهامات «بالانضمام الى جماعة إرهابية تهدف الى الإضرار بالمصالح القومية للبلاد وإنشاء شبكة إعلامية من دون ترخيص اتخذت فندق الماريوت بالقاهرة مركزاً لبث أخبار كاذبة عبر قناة «الجزيرة»».
واثار الحكم ردود فعل غاضبة محلياً ودولياً، وسط تضامن واسع مع المحكوم عليهم والمحبوسين منذ نحو 8 أشهر احتياطياً على ذمة التحقيقات، فيما شكلت الاحكام صدمة للإعلاميين والصحافيين حيث بادرت نقابة الصحافيين المصرية الى إصدار بيان يؤكد تضامنها الكامل مع المسجونين وتمسك النقابة بحقها في التضامن مع الطاعنين على الحكم أمام محكمة النقض، وخاصة في ظل حماية الدستور والقانون لعمل الصحفيين.
التعقيبات السريعة على الحكم دفعت النائب العام المستشار هشام بركات إلى إصدار بيان أكد فيه أن الاحكام الصادرة عن المحكمة تجاه المتهمين هي أحكام رادعة، مفنداً الاجراءات القانونية التي اتُّبعت تجاه المتهمين وحصولهم على حقهم في محاكمة عادلة. كذلك كلف بركات مسؤول التعاون الدولي في مكتبه توزيع البيان مترجماً على الهيئات القضائية المعنية بمعرفة الاسباب في دول العالم، في سابقة هي الأولى من نوعها منذ سنوات طويلة.

طالب البيت الأبيض السيسي بحماية حريات التعبير والتظاهر
وكان الحكم قد حظي بردود فعل دولية شاجبة بدأها وزير الخارجية البريطاني ويليام هيغ الذي بعد أقل من ساعة على صدور الحكم استدعى السفير المصري في لندن، اشرف الخولي حيث اكد له شجب بلاده للقرار.
بدورها، استدعت وزارة الخارجية الهولندية السفير المصري في امستردام، طاهر فرحات، أيضاً للاستماع إلى وجهة نظره في الحكم. كذلك، قررت وزارة الخارجية البلجيكية استدعاء السفير المصري في بروكسل، إيهاب فوزى، لإبلاغه قلق بلجيكا إزاء الأحكام التي صدرت.
ردود الفعل الغربية السريعة تجاه الحكم دفعت وزير الخارجية المصري سامح شكري الموجود في غينيا الاستوائية للمشاركة في اجتماع وزراء الخارجية الافارقة، إلى تكليف السفراء المصريين المبادرة بطلب إجراء لقاءات عاجلة مع المسؤولين في وزارات الخارجية في دول الاعتماد لطرح بيان مكتب النائب العام حول ملابسات هذه القضية، كخطوة استباقية بهدف نقل حقائق الأمور بعيداً عن الصور والمعلومات المغلوطة حول هذه القضية. وأكد شكري في تكليفه للسفراء، ضرورة شرح كافة الأمور المتعلقة باستقلالية السلطة القضائية وما كفله الدستور المصري الجديد من حقوق وضمانات تضمن حرية الإعلام واستقلاليته، فضلاً عن إجراءات التقاضي، والتأكيد أن أحد المبادئ الأساسية لأي نظام ديموقراطي هو مبدأ الفصل بين السلطات، وعدم جواز التعقيب على أحكام القضاء في إشارة إلى عدم تدخل القيادة السياسية في الاحكام القضائية. وشدد شكري على أن استدعاء بعض السفراء المصريين في الخارج للتعليق على الحكم، يعد إجراءً دبلوماسياً يوفر مناخ مناسب لشرح حقيقة الأوضاع مع التأكيد لمسؤولي هذه الدول الرفض الكامل لأي تدخل في الشؤون الداخلية للبلاد. كذلك أكد وزير الخارجية المصري رفض وزارته، بشدة، أي تعليق يصدر عن جهة أجنبية تشكك في استقلالية القضاء المصري وعدالة أحكامه، مشدداً على أن التدخل في الشأن الداخلى للبلاد مرفوض ويثير حفيظة واستياء جميع أبناء الشعب المصري. وسادت حالة من الصدمة في الحكومة المصرية بسبب الحكم الذي لم يكن متوقعاً حيث كلف رئيسها ابراهيم محلب وزير خارجيته سامح شكري ضرورة شرح الصورة للدول المعنية، وخاصة أن الحكومة لا تملك اتخاذ أي موقف تجاه الأحكام الصادرة باعتبار أن القضاء سلطة مستقلة لا سلطان لأحد عليها. وفي السياق تلقى شكري اتصالاً من وزير الخارجية الأميركي جون كيري الذي استفسر عن الاحكام.
ودعا كيري الحكومة المصرية إلى مراجعة جميع الأحكام التي وصفها بـ «السياسية»، معتبراً في الوقت ذاته الأحكام الصادرة في مصر بحق صحفيين بقناة الجزيرة القطرية بأنها «وحشية تقشعر لها الأبدان».
بدوره، اعتبر البيت الأبيض أن الأحكام «تعتبر بمثابة ضربة للعملية الديموقراطية في مصر، وضحايا هذه القضايا ليسوا صحفيين ومتهمين فحسب، وإنما الشعب المصري كله بمعناه الشامل». وناشد المتحدث باسم البيت الابيض جوش ايرنست، السلطات المصرية العفو عن هؤلاء الأشخاص، أو تخفيف العقوبات الصادرة بحقهم، وإطلاق سراحهم «وتخفيف كل الاحكام ذات الدوافع السياسية». وطالب البيان الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي، بتعديل كافة القوانين المتعلقة بحقوق الإنسان في البلاد، وحماية حريات التعبير والتظاهر، وإجراء محاكمات عادلة تراعي معايير القوانين الدولية.
من جهتها، طالبت المفوضة السامية لحقوق الانسان في الامم المتحدة، نافي بيلاي مصر بإطلاق سراح ثلاثة صحفيين والكف عن الاجراء «الفاضح» باقامة محاكمات جماعية لمعارضي الحكومة تفضي إلى صدور احكام بالاعدام. وقالت بيلاي في بيان إن «سمعة مصر وخاصة سمعة قضائها كمؤسسة مستقلة على المحك...وثمة خطر في ان تصبح اساءة تطبيق أحكام العدالة هي الأساس في مصر».
بدوره، أكد المتحدث باسم الامين العام للأمم المتحدة بان كي مون، ستيفان دوجاريك للصحفيين أن الأحكام «من المرجح أن تقوض فرص الاستقرار على المدى الطويل».