هل هي مكيدة أو فخ أو خطأ في الحسابات، أم ماذا؟لم يعد مهماً البحث في أصل المسألة، لأن الخطوة التنفيذية حصلت، ورضخت الحكومة العراقية لضغوط متنوعة، داخلية وخارجية، أنتجت عودة قوات الاحتلال الاميركي الى العراق. صحيح أن العودة بأعداد قليلة، وبصفة استشارية، لكنها عودة ترافقت مع فرض مسارات سياسية من شأنها إعادة بسط النفوذ الاميركي على العملية السياسية برمتها.

وهو نفوذ لن يكون بحساب قصير ومقتصر على مواجهة حالة «داعش» ومتفرعاتها، بل هو نفوذ يراد منه إعادة تثبيت الاحتلال بكلفة أقل على المحتل، وكلفة أكبر على الشعب العراقي. وهو نفوذ سيتولى رعاية الانفصال التام لإقليم كردستان عن العراق، وربطه بقوى قادرة على حمايته، وليس لدى أميركا سوى إسرائيل للقيام بهذه المهمة. وهو نفوذ سيتخذ شكل مواجهة النفوذ الايراني، ما يعني استقطاب دول الخليج العربي من جديد الى اللعب تحت المظلة الاميركية. وهو نفوذ سوف يبدأ بالعمل على ملفات متصلة، من سوريا الى الاردن الى لبنان وفلسطين.
واضح حتى الآن أن الاستنفار السياسي والعسكري الذي قامت به القوى الداعمة للحكومة العراقية لم يكن بحجم النكبة التي تحدث عنها نوري المالكي. فدعوة المرجعية الى التطوع لم تحقق نتائج لافتة خارج عناصر الاحزاب، ولا الكلام عن إعادة هيكلة سريعة للجيش قد حققت غير ناطق عسكري يذكر ببيانات جيش صدام حسين أثناء الغزو الأميركي، وليس هناك اتفاق سياسي قد حصل، بل إن المساعي الايرانية لإعادة ترتيب بيت الحكم العراقي لم تثمر أكثر من وقف الحملات الاعلامية والسياسية. لكن المطلب المركزي لا يزال عند كل هؤلاء: إطاحة نوري المالكي.
بالعودة الى الاميركيين، يبدو أن النتائج الأولية لزيارة وزير الخارجية جون كيري تمثلت في الاعلان عن تدخل عسكري ودفع للأكراد باتجاه تحقيق حلمهم التاريخي بالاستقلال عن بغداد بمعيّة إسرائيل. فما كاد الضيف الأميركي يغادر أجواء بلاد الرافدين حتى أعلنت واشنطن أن فريقاً من مستشاريها العسكريين، كانت قد نشرته تحت جنح الظلام في عاصمة الرشيد، قد باشر عمله يوم أمس.
نجح كيري في تحقيق رغبة حكومته بالعودة الى الحضور العسكري والأمني في العراق الذي كان طرد الاحتلال قبل أقل من ثلاثة أعوام. عادت قوات الاحتلال باسم «مستشارين» هذه المرة، وبحصانة قضائية، تفيد المعلومات بأنها أُعطيت لهم بعدما حُرموا منها في نهاية ٢٠١١. وكل ذلك بحجة مكافحة المجموعات التكفيرية المسلحة التي سيطرت على الغرب العراقي خلال أيام.
صحيح أن نظرية «المؤامرة» لا تزال مكروهة في عالمنا العربي، لكن ما حصل لا بد أن يطرح الكثير من الأسئلة عن الهجوم المباغت الذي شنه تشكيل عسكري هجين، ضم بعثيين وعسكريين سابقين وإسلاميين تكفيريين. وقد أثار الرعب في الغرب الأوروبي والأميركي أكثر ما أثار مخاوف أهل المنطقة. بل الأنكى أن ما حصل ترافق مع مجاهرة مسعود البرزاني بأن الأوان قد حان لتحقيق الأكراد حلمهم بالاستقال في وقت يتدفق فيه نفط الشمال العراقي إلى إسرائيل عبر بوابة أربيل!