أنباء تزوّد إسرائيل بالنفط الكردي، لم يكن آخر التقارير العبرية عن العلاقات الإسرائيلية الكردية. عرضت الفضائية الإسرائيلية قبل أيام ما سمته «القواسم المشتركة» بين الجانبين، والعلاقات التاريخية التي بدأت منذ ستينيات القرن الماضي «عندما ساعدت إسرائيل الأكراد عسكرياً في وجه الحكومة العراقية المركزية». تقرير القناة وصف العلاقات وتطورها بالحميمية والاستراتيجية، والتي «يلمسها ويدركها مواطنو الجانبين، في كل من إسرائيل ودولة الأكراد التي تتجه كي تكون دولة مستقلة».
وأشار تقرير القناة إلى أن الأكراد عانوا كثيراً في محيطهم على مرّ التاريخ، وهم في ضائقة مستمرة منذ سنين طويلة في الدول التي يعيشون فيها، في تركيا والعراق وسوريا وإيران، مشيرةً إلى أنهم شعب بلا صديق، و«إذا أسسوا دولتهم فمن المهم جداً لهم أن يتطلعوا إلى علاقات مع دول قوية في الشرق الأوسط»، مثل إسرائيل.

إسرائيل ليست أهم
ولا أقرب حليف لأي دولة كردية مستقبلية

في هذا الإطار، عرضت الكاتبة كسينيا سفيتلوفا، الباحثة في معهد «ميتفيم» الإسرائيلي للسياسات الأجنبية والإقليمية، ومحللة الشؤون العربية في القناة الإسرائيلية التاسعة الناطقة باللغة الروسية، واقع العلاقة مع الأكراد وحدودها وإمكانات تطورها في المستقبل، وذلك في ضوء المتغيرات الدراماتيكية على الساحة العراقية، متوقعة أن يعمل الجانبان على زيادة وتيرة العلاقات بينهما ومستواها، لكن مع المحافظة قدر الإمكان على الطبيعة السرية لها، ربطاً بظروف الأكراد وأوضاعهم الحساسة مع جيرانهم المباشرين.
وبحسب العرض الإسرائيلي، باتت الفرصة ذهبية أمام الأكراد ربطاً بالتطورات العراقية الحالية وما يعاني منه العراق من نزف وحرق و«ربما لفظ لأنفاسه الأخيرة»، إذ إن «السيطرة الكردية أخيراً على مدينة كركوك الغنية بالنفط، يؤكد استمرارهم في تعزيز قوتهم، ويشير إلى بداية عهد جديد بالنسبة إليهم». أما النصيحة الإسرائيلية في هذا الإطار، فهي أن «الصبر ليس مفتاح الفرج، والانتظار خطأ».
تصدير النفط الكردي إلى إسرائيل، الذي رست أولى شحناته في ميناء عسقلان (جنوب فلسطين المحتلة)، لم يكن خطوة مفاجأة بحسب الكاتبة الإسرائيلية، إذ إن «من يتابع العلاقات بين الجانبين على مر العقود الماضية، يعلم بأنها بدأت منذ سنوات الستين من القرن الماضي، عندما كان عملاء الاستخبارات الإسرائيلية يعملون في مناطق كردستان العراق، ويساعدون السلطات المحلية هناك».
وتؤكد الكاتبة أنه بعد سقوط الرئيس العراقي السابق، صدام حسين، دخل المقاولون والشركات الإسرائيلية إلى إقليم كردستان العراق، بل إن الأنباء عن تدريب وحدات النخبة الإسرائيلية قوات البشمركة أنباءٌ عادية في الإعلام العراقي، إلا أن «الجانبين امتنعا عن إقامة علاقات رسمية، وأحد أسباب ذلك هو علاقة أكراد العراق بإيران، التي تعد لاعباً مركزياً في المنطقة، والتي ترفض التقارب بينهم وبين إسرائيل». وبحسب الكاتبة الإسرائيلية، قد يكون هذا السبب هو الذي دفع أخيراً حكومة إقليم كردستان إلى إصدار بيان قاطع ينفي بيعها النفط لإسرائيل.
أما لجهة العامل التركي، فتشير الكاتبة إلى أن تل أبيب حرصت على عدم تهديد علاقاتها بأنقرة، وامتنعت عن إقامة علاقة وطيدة جداً بالأكراد و«دعم صراعهم من أجل الحرية»، لكنها أكدت في المقابل أنه في المرحلة التي تتغير فيها الظروف الجيوسياسية بصورة كبيرة جداً، قد يعيد الجانبان، إسرائيل والأكراد، حساب نظرتهم إلى مسار العلاقة بينهما.
فمن جهة، يرى عدد كبير من الأكراد وجه شبه بينهم وبين إسرائيل، ربطاً بأنهم ليسوا عرباً، ومحاطون بأعداء يرفضون استقلالهم، ومن جهة أخرى، إن التطور التكنولوجي وقوة الجيش الإسرائيلي تجذبان الأكراد الحالمين بدولة كردية مستقلة، «ويعتقد الداعمون للتقارب مع إسرائيل أن بإمكانهم تقديم شيء للدولة اليهودية عبر شراكة أمنية على مصالح مشتركة من شأنها أن تؤسس لميزان قوى جديد في الشرق الأوسط، الأمر الذي يساعد إسرائيل كثيراً».
مع ذلك، عوائق التقارب بين الأكراد والدولة العبرية أكبر من المصلحة المشتركة، الأمر الذي يحدّ من نموه ومن إعلانه. بحسب الكاتبة، فإن إسرائيل ليست أهم ولا أقرب حليف لأي دولة كردية مستقبلية، إذ يعتمد كردستان العراق، من ناحية اقتصادية، على تركيا التي تنقل نفطه إلى الخارج، كذلك فإنها أكبر سوق للمنتجات والبضائع الكردية. وفي موازاة ذلك، لا تقل إيران أهمية بالنسبة إلى الأكراد في العراق، نظراً إلى حدودها المشتركة وإلى وجود نسبة عالية من الأكراد فيها. «وإذا كان الأكراد في العراق يتطلعون إلى الاستقلال، لكنهم في نفس الوقت يمتنعون عن أي مواجهة مباشرة مع قوة إقليمية كبيرة مثل إيران، التي تعمل في المقابل على احتواء الأكراد العراقيين للحؤول دون توتر قومي في المناطق الكردية لديها».
وبالنسبة إلى انعكاسات التطورات الأخيرة في العراق على العلاقات بين إسرائيل وإقليم كردستان العراق، تخلص الكاتبة إلى أن الجانبين سيعملان على تطوير العلاقات البينية، إلا أن الطبيعة السرية لهذه العلاقات ستستمر، و«إذا حقق الأكراد في العراق هدفهم ونالوا استقلالهم في نهاية المطاف، فإن دولتهم ستكون ضعيفة، على الأقل في بداية الأمر، وبالتالي لن تعمد إلى إقامة علاقات رسمية مع الدولة العبرية، أي في الوقت الحالي لن نشهد افتتاح سفارة إسرائيلية في كركوك، المدينة المعروفة بأنها أقدس الأقداس لدى الأكراد».