بغداد | شكلت سيطرة مسلحين يُعتقد أنهم تابعون لتنظيم «داعش» على سدة الفلوجة، مطلع نيسان الماضي، فصلاً جديداً من صراع الحكومة العراقية مع المجاميع المتشددة التي نشطت مجدداً في مناطق غرب العراق مطلع العام الحالي. وبعد نحو ثلاثة أشهر من حصار شبه تام، فرضه الجيش العراقي على الفلوجة التي خضعت بالكامل لسيطرة «داعش» في كانون الثاني الماضي، اتجه التنظيم إلى استخدام سلاح المياه لإحراج حكومة نوري المالكي، التي يتهمها خصومها بشن حملة إبادة ضد المتظاهرين السلميين في محافظة الأنبار.

وواجهت عملية اقتحام مخيم الاعتصامات في مدينة الرمادي، مركز محافظة الأنبار نهاية عام 2013، انتقادات شديدة من حلفاء رئيس الوزراء نوري المالكي، وجهها إليه زعيم التيار الصدري مقتدى الصدر ورئيس المجلس الأعلى الإسلامي عمار الحكيم، فضلاً عن الأكراد والسنّة.
وشن الجيش العراقي عمليات عسكرية في صحراء الأنبار نهاية كانون الأول الماضي، حملت اسم «الثأر للقائد محمد الكروي»، قائد عمليات الأنبار الذي لقي مصرعه في كمين نصبه له تنظيم «داعش» في وادي حوران إلى الغرب من الأنبار. وإثر ذلك قرر المالكي شن عمليات عسكرية انتهت باقتحام «ساحة العز والكرامة»، مركز الاعتصامات التي استمرت أكثر من عام.
وفي محاولة لكسر الحصار الخانق، لجأ «داعش» إلى إغلاق سد الفلوجة، لتهديد محافظات الفرات الأوسط، التي ينحدر منها المالكي، والمعروفة بطابعها الزراعي والتي تعتاش على ما يصلها من مياه نهر الفرات الذي يخترق الأراضي العراقية، ابتداءً من الأنبار مروراً بكربلاء والديوانية والمثنى، وانتهاءً بالبصرة، عندما يلتقي بشقيقه دجلة مكوّناً شط العرب.
وأثار استخدام «داعش» لسلاح المياه مخاوف سكان وسط العراق وجنوبه من تعرّضها لإبادة عبر قتلهم عطشاً انتقاماً من سلوك رئيس الوزراء نوري المالكي، المتهم بمعاداة السنّة.
وفي وقت لاحق من نيسان الماضي، شهدت 5 محافظات عراقية، هي كربلاء والنجف وبابل والديوانية والمثنى، أزمة مياه خانقة، أدت إلى توقف العديد من مشاريع الطاقة فيها بعد أيام قليلة من إغلاق سدة الفلوجة، الواقعة على بعد 20كلم إلى الجنوب من مركز المدينة.


أعاد الانهيار
الأمني المخاوف
من استخدام سلاح
المياه مرة أخرى

وتعد سدة الفلوجة آخر «النواظم المائية» التي أقيمت على نهر الفرات في المنطقة الوسطى والغربية. وأدى إغلاق السد إلى إغراق مناطق شاسعة، تقع بين الفلوجة والضواحي الغربية للعاصمة بغداد، وتعتبر ممراً حيوياً لإمدادات الجيش العراقي الذي كان يخوض معارك شرسة ضد مقاتلي «داعش» في الأنبار.
وفي مسعى منها لإجهاض فاعلية «سلاح المياه»، قامت السلطات العراقية بتوجيه ضربات مركّزة لفتح بعض بوابات السدة، فيما قامت لاحقاً بالتحكم في كميات المياه المتدفقة من سد حديثة، على بعد 160 كلم من مدينة الرمادي مركز الأنبار.
وأعاد الانهيار الأمني الذي شهدته مدينة الموصل، في 10 من حزيران الجاري، المخاوف من استخدام سلاح المياه مرة أخرى لإضعاف الحكومة المركزية، عبر التحكم في سدّي الموصل وحديثة.
ويعتبر سدا الموصل وحديثة أكبر السدود التي أنشأها العراق على نهري دجلة والفرات مطلع ثمانينيات القرن الماضي، إذ تقوم المنشأتان بتزويد شبكة الطاقة المحلية بنحو 1700 ميغاواط من الكهرباء.
وقامت قوات من البشمركة الكردية بتأمين سد الموصل (سد صدام سابقاًً)، الواقع إلى الشمال من محافظة نينوى، نحو 450 كلم عن بغداد. وأنشئ السد عام 1983، ويبلغ طوله 3.2 كلم وبارتفاع 131 متراً.
ويُعتبر السد أكبر سدّ في العراق، ورابع أكبر سد في منطقة الشرق الأوسط.
ويضم سدّ الموصل 4 محطات لتوليد الطاقة بسعة تبلغ 1060 ميغاواط.
وأعلن مسؤول عسكري، مطلع الأسبوع الجاري، أن الجيش العراقي نفّذ «انسحاباً تكتيكياً» من الحدود العراقية السورية لتأمين سد حديثة الواقع على بعد 300 كلم عن بغداد.
ويضم السد الذي أنشأته شركة يوغسلافية أواسط الثمانينيات 6 محطات لتوليد الطاقة بسعة 660 ميغاواط.
ويسعى «داعش» لإحكام سيطرته على المنشآت الحيوية والبنى التحتية في المناطق الواقعة تحت نفوذه، لتعزيز تمدده في مناطق شمال وغرب العراق التي أصبحت خارجة عن نطاق الدولة العراقية.
وفي السياق، ذكرت صحيفة «نيويورك تايمز» الأميركية، نقلاً عن مسؤولين أمنيين عراقيين، أن «مقاتلي تنظيم الدولة الإسلامية في العراق والشام «داعش» يتقدمون باتجاه سد «حديثة» على نهر الفرات، الذي يعد ثاني أكبر سدود البلاد، ما يزيد من إمكان حدوث دمار كارثي وفيضان.
وأوضحت الصحيفة أن متشددي «داعش»، الذين يتقدمون صوب سد حديثة ــ 120 ميلاً تقريباً شمالي غربي بغداد ــ جاؤوا من مناطق الشمال وشمال الشرق وشمال الغرب.
ونسبت الصحيفة إلى مسؤولين أمنيين قولهم «إن المقاتلين وصلوا بالفعل إلى مدينة بروانة العراقية التي تقع على الجانب الشرقي للسد، وأن القوات الحكومية تخوض قتالاً لوقف تقدمهم».
ولفتت الصحيفة إلى أن هذه المرة لن تكون الأولى التي تدخل فيها السدود كسلاح في النزاع، حيث استولى مقاتلو «داعش» على سد الفلوجة وفتحوا بواباته، ما أدى إلى فيضان اجتاح الجنوب باتجاه مدينة النجف، بل إن المياه اتجهت شرقاً ووصلت تقريباً إلى أبو غريب بالقرب من بغداد.