غزة | بعيدا أو قريبا من تداعيات عملية الخليل، لا تزال غزة في دائرة الاستهداف الإسرائيلي. سلسلة الخروق المتواصلة منذ اتفاق التهدئة بين الفصائل والاحتلال عبر الوسيط المصري، تمّمها الجيش الإسرائيلي باغتيال مقاوميْن أمس ليوقّع تسليم كفن التهدئة من طرفه، وذلك باختراقه في أقل من شهر أبرز شرط فيها للمرة الثانية، وهو وقف الاغتيالات. التصعيد الخطير يضع الفصائل الفلسطينية أمام اختبار حقيقي، وخصوصا أن أكبرها لا يزال يمارس سياسة ضبط النفس تحت مظلة التهدئة، برغم سلسلة الاعتداءات المتكررة على حدود قطاع غزة وبحره، واستهداف الأراضي والورش الصناعية على مدار سبعة أيام.
وبغض النظر عمّن يقف وراءها، يبدو أن الصواريخ القليلة التي انطلقت من غزة خلال الأسبوع الماضي باتجاه الأراضي المحتلة تحمل دلالة كبيرة على أن بعض الأذرع العسكرية للفصائل اتخذت قرارا بالرد على التصعيد بصورة غير رسمية أو كبيرة. على ذلك رد الاحتلال باغتيال كل من محمد الفصيح 23عامًا، وأسامة الحسومي 32 عامًا، المحسوبيْن على تيار «السلفية الجهادية».
ومنتصف الشهر الجاري، استشهد فلسطيني وأصيب آخران في غارة اسرائيلية استهدفت دراجة نارية شمال القطاع، وقد قال جيش الاحتلال آنذاك إنه استهدف «إرهابيين ينتمون إلى الجهاد العالمي»، في إشارة إلى مجموعات جهادية قريبة من تنظيم «القاعدة».
في المقابل، استنفرت الأذرع العسكرية بكتائبها وألويتها وسراياها على اعتبار أنه لم يبق الكثير للمواجهة مع إسرائيل، بناء على حالة التسخين التدريجي. ويفيد أبو خالد، وهو قائد ميداني في كتائب القسام التابعة لحركة «حماس»، بأن قيادة الكتائب أوعزت إلى عناصرها الاستنفار وصولا إلى الدرجة الثالثة (دخول المعركة حيز الاشتباك)، مشيرًا إلى أن المرحلة الآن باتت أخطر من أي وقت مضى، إثر التلويح الإسرائيلي المتكرر باستهداف «حماس» والزج بها في حادثة فقدان الجنود الإسرائيليين الثلاثة في الضفة المحتلة.
ويوضح أبو خالد لـ«الأخبار» أن «القسام» استعدت منذ وقت لجولة جديدة من المواجهة، «ولم تتوان لحظة عن الإعداد والتجهيز عبر تطوير استراتيجية إطلاق الصواريخ أو وسائل أخرى»، مستدلا بـ«شهداء الإعداد»، الذين قضوا في نفق تابع للكتائب قبل أيام شرق غزة، لكنه حذر الاحتلال من مغبة الإقدام على حرب على غزة «لأنه سيرى مواجهة تخالف توقعاته». من يتتبع سلسلة التهديدات الإسرائيلية، سواء أكانت تلك التي سبقت فقدان المستوطنين الثلاثة في الثالث عشر من حزيران الحالي، أو التي أعقبتها، يجد أن الاحتلال يناور اتجاه جبهة غزة لتحقيق هدفين: الأول متعلق بالقضاء على حماس، والآخر ترميم قوة الردع الإسرائيلية، وذلك وفق مراقبين يشيرون إلى أن ظروف حرب إسرائيلية قائمة، ودلالتها قرار الاحتلال خرق التهدئة.
صباح أمس أيضا، أصيب ستة مواطنين بجروح في بلدة خزاعة شرق خان يونس جنوبي القطاع من جراء إطلاق المدفعية المتمركزة على الحدود قذائف طاولت مسجدي «الهدى والتقوى» في المنطقة نفسها. وما برحت الطائرات العسكرية تجوب أجواء قطاع غزة منذ أيام، كما تحلق طائرات الاستطلاع على ارتفاعات منخفضة، وهي حالة تترافق مع نية التصعيد أو شن حرب كما اعتاد المقاومون رصده في السنوات الماضية. يشار أيضا إلى أن الشرطة والأجهزة الأمنية في غزة تخلي مقارها بصورة تامة ليلا منذ أسبوعين. ويقول القيادي في لجان المقاومة الشعبية، التي أشيع عن انتماء الشهيدين إليها، ثم ما لبثت أن نفت الخبر، أبو رضوان أبو نصيرة، إن الذراع العسكرية للجان أوعزت إلى العناصر «البقاء على يقظة وحذر لاحتمال بدء حرب في أي لحظة». وقال أبو نصيرة لـ«الأخبار»: «تهديدات الاحتلال، واليوم عملياته، تنذر بحرب قريبة ضد غزة، وهذا يدفع المقاومة للاستنفار، وهي منذ الحرب الأخيرة على جاهزية عالية لصد أي عدوان». مع ذلك لفت إلى أن الفصائل مارست سياسة ضبط النفس حيال القصف المتكرر في أنحاء متفرقة من القطاع «لكن صبرنا لن يدوم طويلا، بعد ارتقاء شهداء وإصابات».
على وقع هذه التطورات الميدانية، كتب المحلل السياسي عدنان أبو عامر على صفحته في (فيسبوك) أن «غزة مقبلة في الساعات المقبلة على تطورات متلاحقة»، محذرا من خطوات إسرائيل المريبة التي قد تترجمها تصعيدا متدحرجًا على القطاع بحجة إطلاق الصواريخ.
بالترافق مع ذلك، أعلن الجيش الإسرائيلي حالة التأهب في ما تسمى مستوطنات غلاف غزة، بعد اعترافه باستهداف طائراته مقاومين فلسطينيين، وذلك «خشية من إطلاق صواريخ باتجاه تلك المناطق». وذكرت مصادر إعلامية عبرية أن حالة التأهب تشمل مسافة 40 كم عن القطاع، وهي دائرة الإنذار الرابعة وتصل حتى مدينتي بئر السبع وعسقلان.
يشار إلى أن وزير الدفاع الإسرائيلي، موشيه يعلون، قال إن جيشه استهدف ظهر أمس خلية «كانت متورطة في إطلاق الصواريخ وتخطط لتنفيذ عمليات أخرى»، محملا «حماس» مسؤولية ما يجري في غزة وإطلاق الصواريخ. وأضاف يعلون: «الجيش سيواصل ملاحقة من يمس أمننا»، ناصحاً «حماس» بألا تختبر «صبر وحزم قواته في سبيل استمرار الروتين الحياتي لسكان مستوطنات غلاف غزة».