رام الله | استقبل الفلسطينيون بنوع من الراحة قرار الرئيس الفلسطيني، محمود عباس، إدخال تعديل على مادة في قانون العقوبات المعمول به في فلسطين، كانت تقضي بمنح القاتل، على خلفية ما يسمى «شرف العائلة»، عقوبة مخففة، لكن التعديل الذي جاء بمرسوم رئاسي نهاية الشهر الماضي ليس كما بدا عليه إعلامياً، فهو مع قليل من التمحيص والتأمل لن يغيّر كثيراً، وفق قانونيين وحقوقيين.
منذ مطلع العام الجاري، قُتلت 16 سيدة وفتاة في الضفة المحتلة وقطاع غزة، ووفقاً لمركز المعلومات الوطني الفلسطيني، فإن أربع نساء قتلن عام 2011، وارتفع العدد في 2012 إلى 13 امرأة، لكنه تضاعف خلال العام الماضي ليصل إلى 27 امرأة.
عباس أصدر مرسوماً رئاسياً مُعَدِّلاً للمادة 98 من قانون العقوبات رقم 16 لسنة 1960، ويقضي بتعديل نص المادة «يستفيد من العذر المخفف فاعل الجريمة الذي أقدم عليها بصورة غضب شديد ناجم عن عمل غير محق وعلى جانب من الخطورة أتاه المجنيّ عليه»، بإضافة عبارة «لا يستفيد فاعل الجريمة من العذر المخفف إذا وقع الفعل على أنثى بدواعي الشرف».
وأتت خطوة الرئيس بعد سلسلة احتجاجات نظمتها مؤسسات حقوقية ونسوية تطالب بتعديلات قانونية رادعة إثر تصاعد نسبة قتل النساء في الضفة وغزة، والتذرّع بأن المقتولات أخللن بشرف العائلة بسبب ممارسات معينة. وبالرغم ثبوت براءة المقتولات في بعض الأحيان من هذه التهمة المستمدة من معتقدات اجتماعية وتفسيرات غير دقيقة لبعض النصوص الدينية، فإن جناة حصلوا على أحكامٍ مخففة استناداً إلى قانون العقوبات الأردني لعام 1960 والمعمول به في فلسطين. تعليقاً على التعديل، قال منتدى المنظمات الأهلية الفلسطينية لمناهضة العنف ضد المرأة إن الخطوة الجديدة بلا جدوى، «وذلك استناداً إلى تحليل الواقع العملي والقانوني والقضائي بخصوص الجرائم». هذا الوقع وفق بيان المنتدى أثبت أن ما نسبته 70% من تخفيف العقوبة للجاني في هذه الجرائم يأتي بناءً على إسقاط «الحق الشخصي» وليس بالاستناد إلى المواد المتعلقة بـ«العذر المخفف» في قانون العقوبات الساري.

16 سيدة وفتاة
قتلوا في الضفة
وغزة منذ مطلع
العام الجاري

كما أسف المنتدى «لظلم الضحية مرتين، الأولى عند قتلها، والثانية عندما أسند القانون إسقاط حقها الشخصي بعد الوفاة لأسرتها، التي هي في الوقت نفسه أسرة الجاني التي خسرت الضحية تحت الأرض، ولا تريد أن تخسر الجاني وراء القضبان»، معقباً: «من غير المنطقي إسناد هذا الحق قانونياً إلى أهل الجاني والضحية معاً!». بناءً على بيان المنتدى، فإن الحق الشخصي للضحية يكون قد ذهب قانونياً وإنسانياً بمجرد وفاتها، وما تبقى هو حق عام للمجتمع الذي سمع وشاهد بشاعة هذه الجرائم.
«الأخبار» تعمقت أكثر في فهم تأثير هذا التعديل، فحاورت مدير مركز الإعلام القضائي، فارس سباعنة، الذي قال إن قرار التعديل يلفه الجدل عمّا إذا كان أصلاً يحل إشكالية أو يشكل عقوبة رادعة لتفاقم القتل «لأن عدد القضايا التي استفادت من العذر المخفف جداً قليل، والمستفيد منه فعلياً هو الحق الشخصي». وأضاف سباعنة: «المؤسسات النسوية والحقوقية التي خرجت تطالب بإلغاء العذر المخفف والعذر المحل في القانون لم تكن واعية بحقيقة الواقع، وإن ما فعله الرئيس هو مجرد استجابة لمطالب المؤسسات».
بشأن مصير تطبيق التعديل على كل من غزة والضفة، عقّب: «رغم تشكيل حكومة التوافق الوطني، فإن تطبيق القانون بصورته الجديدة مرتبط بوضع المجلس التشريعي وانعقاده». أما عن إحصاءات جرائم قتل النساء، فقال: «العمل جارٍ على إحصائية جديدة تشمل جرائم منذ عام 2000، لكن لا يمكن الجزم بأن نسب الجرائم في انخفاض أو ارتفاع».
مطلع أيّار الماضي، قتل رجل من إحدى قرى رام الله طليقته صابرين عياد (28 عاماً) وكانت أماً لخمسة أطفال طعناً، وذلك داخل المحكمة الشرعية في بلدة بير زيت، لكن المحكمة كانت تخلو من وجود قوات أمن، مع أن الضحية كانت قد أبلغت الشرطة قبل أيام من قتلها عن تهديد طليقها لها بذلك جراء حصولها على الطلاق منه. إثر هذه الحادثة، طالب رئيس المجلس الأعلى للقضاء الشرعي الفلسطيني آنذاك، يوسف ادعيس، بإقرار عقوبة الإعدام في فلسطين لردع المجرمين. كذلك في آذار الماضي تمكنت الأجهزة الأمنية من التعرف إلى هوية فتاة عُثر على جثتها في منطقة جبلية في ضواحي القدس، واعترف أحد أقربائها بالإقدام على قتلها خنقاً، ثم إخفاء جثتها في تجويف صخري.
في ظل هذه الجرائم، ترى الاختصاصية النفسية نهاية أبو ريان أن تصاعد حالات القتل في فلسطين يشير إلى تثاقل الهموم والأعباء على المجتمع، «فالعنف يأتي من الطرف القوي على الضعيف فالأضعف... المرأة هي حلقة مستضعفة في المجتمع، وهذا ما يفسر كون نسب الضحايا من النساء أعلى». وقالت لـ«الأخبار» إن أغلب حالات القتل والاعتداء كانت بحق متزوجات، «والجاني يكون الزوج أو الأخ أو أحد الأقرباء، وهي نتيجة خلل ما في العلاقات الزوجية أو حالة غضب مبالغ فيها». وتبين أبو ريان أن التصدي للجرائم يحتاج إلى عقوبات رادعة مبنية على تخطيط سليم، «فالقانون لا يطبّق بحق الجناة في فلسطين، ويجري العفو عن الجناة، مع غضّ النظر عن الأزمات النفسية والأذى التي وقعت فيها أسر الضحايا»، منبهة إلى أن دعم الجناة من دون أخذ حق الضحية «يضع المجتمع في حلقة من الخطأ الذي يدفع إلى خطأ جديد».
ولا تزال أطراف عديدة تطالب عباس بإقرار مشروع قانون العقوبات الفلسطيني الذي قدمته مؤسسات المجتمع المدني والفريق الوطني لمشروع قانون العقوبات، إلى كل من المجلس التشريعي ومجلس الوزراء والرئاسة. ويتضمن المشروع بنوداً تتعلق بالجرائم الحديثة كالجرائم الإلكترونية، والجرائم ضد الإنسانية، وجرائم التمييز.
ومن اللافت الإشارة إلى أن قاضي قضاة فلسطين الشرعيين ومستشار الرئيس للشؤون الدينية المعين حديثاً، محمود الهباش، أصدر تعميماً إلى المحاكم الشرعية يمنع بموجبه الطلاق «بجميع أنواعه إلى ما بعد انقضاء شهر رمضان، إلا إذا اقتضت الضرورة ذلك». وطالب الهباش القضاة الشرعيين، في قراره قبل أيام، بالاعتماد على تقارير دائرة الإرشاد والإصلاح الأسري لتبيان مدى ضرورة سماع وتسجيل حجة الطلاق إذا ما اقتضت الضرورة، ذاكراً أن هذا الإجراء جاء بناءً على تجارب واجهت المحاكم خلال رمضان في الأعوام السابقة، «لأن هناك من يتخذ من الصيام فريضة حجة لإثارة المشكلات عبر تناوله الطعام مع التدخين نهاراً، ما يدفع الزوجة إلى الاعتراض وإحداث اعتراض قد يؤدي بالزوج إلى العصبية وقرار الطلاق».