هو العراق نفسه لم يتغير. هذا البلد الذي لم تطابق حسابات الحقل يوماً حسابات البيدر. الدولة التي فيها كل شيء إلا الآليات التي تضمن ألا ينقضي أي تفاهم يحصل عند إشراقة اليوم التالي. كان هذا ديدن الأيام الثلاثة الماضية التي انتهت أمس إلى لا اتفاق، ما يطرح تساؤلات كثيرة عما اذا كانت الجلسة البرلمانية اليوم ستنعقد باكتمال النصاب أو لا. وإذا حصل، فهل تشهد مفاجآت غير متوقعة، من نوع الأوراق المخفية التي تسحبها الأطراف في اللحظة نفسها عند الجلوس تحت قبة البرلمان.
المهم أن اجتماع «التحالف الوطني» مساء أمس انتهى إلى لا شيء. اجتمع الكل بغياب المندوب عن التيار الصدري. جاء موفد دولة القانون بنبرة متصاعدة تؤكد أن كتلته لن تقبل بغير نوري المالكي رئيساً للحكومة. كانت الكتلة نفسها قد اقترحت في اليوم السابق اسمين، علي الأديب الذي تدرك أن هناك استحالة في تمريره، وطارق نجم في مناورة اعتبر البعض أنها تستهدف تأمين نصاب لهذا الأخير، وذلك بعد رسالة تهديد تؤكد أن «دولة القانون لديها مرشح وحيد غير نوري المالكي هو نوري المالكي».
التيار الصدري يبدو مستاءً كثيراً من الأجواء التي ترافق المباحثات لتسمية رئيس الحكومة، ما دفعه إلى مقاطعتها مع تهديد ووعيد، في الأروقة المغلقة، بأنه «فليحكم نوري المالكي إذا استطاع»، هذا في حال نجاح داعميه في إيصاله إلى رئاسة الحكومة. كذلك الأمر، وإن بصورة أقل، في المجلس الأعلى الذي تشهد أروقته نقاشاً داخلياً حامياً يدفع أحد طرفيه باتجاه مقاطعة الحكومة إذا وقع الخيار على المالكي أو نجم أو أي من قيادات حزب الدعوة.
واقع إن دل على شيء، فعلى تفلت الأحزاب الشيعية من توصية مرجعية النجف بضرورة التوصل إلى اتفاق شامل على كل المناصب القيادية في الدولة قبل دخول جلسة البرلمان اليوم الثلاثاء، إلا إذا كانت هناك «أوراق مستورة» سيكشف عنها في الجلسة نفسها.


الصدر دعا
المالكي إلى تقديم المصالح العامة
على الخاصة
في المقابل، نجح اجتماع الكتل السنية في الخروج بتحالف جديد يضم ائتلافات «متحدون» بزعامة أسامة النجيفي، والعربية بزعامة صالح المطلك، وديالى «هويتنا» بزعامة سليم الجبوري، و«الوفاء للأنبار» بزعامة محافظ الأنبار السابق قاسم الفهداوي، فضلاً عن نواب مستقلين سنّة.
كذلك أفضت الاتفاقات الكردية إلى حسم موقفها من الحكومة الجديدة وقبولها الاشتراك في الحكومة الجديدة من خلال تقديم مرشح لرئاسة الجمهورية، مشترطة عدم ترشيح المالكي لرئاسة الوزراء. والتزم النواب الكرد الصمت عقب فشل اجتماع التحالف الوطني، من دون أن يبينوا موقفهم من الجلسة البرلمانية اليوم.
واتفقت الكتل الكبرى على حضور جلسة البرلمان الأولى اليوم الثلاثاء، وهي الجلسة التي تكلف فيها رئاسة الجمهورية الكتلة الأكبر تأليف الحكومة.
وكشف مصدر من داخل التحالف الوطني لـ«الأخبار» عن «إصرار ائتلاف دولة القانون على ترشيح نوري المالكي بحجة امتلاكه أكثر من 100 مقعد، في وقت رفضت فيه بقية مكونات التحالف ترشيح المالكي لإعادة ترميم العملية السياسية المتصدعة». وأضاف أن «الكتل السياسية تدرك أن إصرار دولة القانون على ترشيح المالكي مناورة لتسمية طارق نجم بديلاً منه»، مبيناً أن هذا الموضوع يفتح باب «الصراعات السياسية» على مصراعيه، في وقت «يتآكل فيه البلد بسبب الإرهاب».
وبيّن المصدر أن التحالف الكردستاني أرسل وفداً يترأسه نائب رئيس الوزراء روز نوري شاويس لإبلاغ قيادات التحالف الوطني امتناعه عن حضور جلسة اليوم في حال ترشيح المالكي لرئاسة الوزراء، وكان يتوقع حسم الأمور في اجتماع أمس الاثنين.
وفي إطار المواقف السياسية التي سبقت اجتماع التحالف الوطني، أصدر زعيم التيار الصدري السيد مقتدى الصدر، بياناً دعا فيه المالكي إلى تقديم المصالح العامة على الخاصة وعدم ترشيح نفسه لولاية ثالثة، مبيناً أن «هذا ما يرغب به الشركاء أجمع، بل هي رغبة المرجعية أيضاً والكثير من أطياف الشعب».
ومن المتوقع أن يؤدي فشل التحالف الوطني في اختيار مرشحه إلى تصعيد أزمة سياسية، تضاف إلى سلسلة الأزمات العراقية المتراكمة، وتأزيم الموقف الكردي الملوّح بإجراء استفتاء شعبي لإعلان الدولة الكردية المستقلة.
في غضون ذلك، أعلن النائب عن ائتلاف متحدون طلال الزوبعي، أمس الاثنين في مؤتمر صحافي، تشكيل تحالف جديد باسم القوى الوطنية من ائتلافات متحدون والعربية وديالى هويتنا والوفاء للأنبار، فضلاً عن نواب مستقلين.
وقال إن «هذا التحالف سيكون الممثل السياسي للمحافظات الست، معبراً عن ارادة جماهيرها في تحقيق الشراكة الحقيقية والتوازن وتلبية المطالب والحقوق»، مطالباً التحالف الوطني بـ«تقديم مرشحه بأقرب وقت، والاتفاق على الرئاسات الثلاث، وتشكيل حكومة ذات برنامج يلبي مطالب الجميع دون تهميش أو إقصاء».
ويعقد مجلس النواب الجديد اليوم الثلاثاء جلسته الاولى بعد أن دعت الى عقدها رئاسة الجمهورية في 15 حزيران، إذ ستعقد الجلسة برئاسة النائب مهدي الحافظ باعتباره الأكبر سناً.
(الأخبار)