رغم وقع الصدمة الذي خيّم على إسرائيل، نتيجة مقتل المستوطنين الثلاثة والعثور على جثثهم، إلا أن ما جرى يبقى دون السيناريو الأسوأ الذي كانت تتخوف منه القيادة الإسرائيلية، بأن يبقى مصيرهم مجهولاً، ويتحولوا إلى ورقة مساومة تجبر إسرائيل على «الخضوع» في نهاية الأمر، لإجراء صفقات تبادل أسرى.
مع ذلك، تحوّلت عملية أسر المستوطنين إلى محطة تجاوزت في مفاعيلها مجرد كونها عملية أدت إلى مقتل ثلاثة إسرائيليين، إلى حادثة أسقطت وهم إمكانية استناد الإسرائيلي إلى قدرة ردعه، في مواجهة تصميم الشعب الفلسطيني على مواصلة مقاومته. كذلك تحوّلت إلى تحدّ للأجهزة الأمنية، التي فشلت في إحباط عملية الأسر، أو العثور عليهم أحياءً، واختبار لقيادة بنيامين نتنياهو، وخاصة بعدما عمدت قيادات يمينية إلى تحميله مسؤولية ما في تحفيز الفلسطينيين للقيام بعملية الأسر، على خلفية موافقته على إجراء صفقة تبادل مع حركة «حماس».
أيضاً، على المستوى النفسي والمعنوي، شكلت عملية الأسر ومقتل المستوطنين صفعة قاسية للمجتمع الإسرائيلي الذي بلغ الذروة في التفاعل، لمدة ثمانية عشر يوماً، مع أصل الحادثة وأسلوبها ومكان تنفيذها، وصولاً إلى تلقي الصدمة بفعل خيبة آماله بعد العثور عليهم أمواتاً.
النجاح الجزئي والفشل الجزئي، للطرفين الفلسطيني والإسرائيلي، إزاء عملية الأسر والخاتمة التي انتهت إليها، سيحتلان محور المقاربة في الساحتين الفلسطينية والإسرائيلية، خلال الأيام المقبلة. لكن بالرغم من التعبير عن مشاعر الحزن والألم التي حرص القادة الإسرائيليون على إظهارها، إلا أنه بالمعايير السياسية والتوظيفية، يمكن القول إن نتنياهو نجح في إزاحة عبء ثقيل، وإن بثمن مؤلم، عن ظهره، بفعل العثور على المستوطنين حتى لو كانوا أمواتاً، لكون هذه النتيجة حالت دون تحولهم إلى مفقودين وورقة ابتزاز ومساومة سيكون لها انعكاساتها الداخلية السياسية والاجتماعية. فضلاً عن أنه عمد إلى استغلال الحادثة عبر شنّ حملة عسكرية مدروسة ومحددة الأهداف السياسية، بما يتجاوز أهداف استعادة المستوطنين، أحياءً كانوا أو أمواتاً.

وُضعت الجثث
في حفرة غير عميقة حفرها خصوصاً لذلك الخاطفون


توعّدت «حماس»
بفتح «أبواب جهنم»
على إسرائيل إذا أقدمت على أي تصعيد
مع ذلك، شكلت عملية أسر المستوطنين، رسالة مدوية للكيان الإسرائيلي، مجتمعاً وقيادة، بأن الشعب الفلسطيني مستعد لاستنفاد كل الوسائل، بالرغم من الأثمان الغالية التي يدفعها على طريق تحرير الأسرى. وعليه سيبقى هذا الهاجس حاضراً بقوة في الوسط الإسرائيلي، إزاء إمكانية تكرار عمليات أسر مشابهة، إلى حين نجاحها في تحقيق المأمول منها.
لجهة دعوات الانتقام التي صدرت على لسان أكثر من مسؤول في تل أبيب، الواضح أن الاسرائيلي سيعمل على توظيف العملية ونتائجها في سياق تبرير اعتداءاته على الشعب الفلسطيني ومقاومته، وبالتالي إن الجديد الذي يمكن أن يقوم به هو إدخال عنوان يتصل بمقتل المستوطنين على قائمة التبريرات لاعتداءاته في غزة.
أما لجهة الضفة الغربية، فقد استنفد الإسرائيلي ردّ فعله الانتقامي في هذه الساحة، التي بلغت مستويات لم تشهدها منذ عملية السور الواقي في عام 2002، قبل العثور على جثث المستوطنين.
وأعلن جيش الاحتلال، أمس، عثوره على جثث المستوطنين الثلاثة، قرابة الساعة السادسة، بالقرب من بلدة حلحول القريبة من الخليل، حيث وُضعت الجثث في حفرة غير عميقة حفرها خصوصاً لذلك الخاطفون، الأمر الذي دفع نتنياهو للدعوة الى اجتماع عاجل للمجلس الوزاري المصغر تحت عنوان مناقشة آخر التطورات. وبحسب التقديرات الأولية الإسرائيلية، التي نشرتها وسائل إعلام إسرائيلية، فقد جرى قتل المستوطنين الثلاثة بإطلاق النار عليهم بعد وقت قصير من اختطافهم، فيما يرجح أن منفذي العملية هما عمر أبو عيشة ومروان قواسمي.
ونقلت وسائل إعلام إسرائيلية عن متحدث عسكري قوله إن المعلومات عن مكان الجثث جاءت من «الشاباك»، وقوة من وحدة «ماجلان» عثرت عليهم مدفونين في منطقة مفتوحة على بعد 3 كم من حلحلول. وقال «الشاباك»، إنه وصلته معلومات استخبارية تشير إلى أنه ينبغي البحث في تلك المنطقة. في ضوء ذلك، حشد جيش الاحتلال الإسرائيلي قوات كبيرة في المنطقة، وحصلت مواجهات في حلحلول بين جنود الاحتلال وشبان فلسطينيين.
وذكرت تقارير إسرائيلية أن قوات الاحتلال دفعت بقوات كبيرة إلى منطقة الخليل، وأن جيش الاحتلال نصب الكثير من الحواجز في المنطقة، وأغلق جميع مداخل مدينة الخليل وأعلن حلحول منطقة عسكرية مغلقة.
ومع إعلان العثور على جثث المستوطنين، توالت ردود الفعل الإسرائيلية الغاضبة والهستيرية، وصولاً إلى حد قرع طبول الحرب، فيما دعا آخرون إلى الانتقام وتوجيه ضربة موجعة إلى حركة حماس.
وحمّل نتنياهو حركة حماس المسؤولية عن مقتل المستوطنين الثلاثة، متوعداً إياها بأنها «ستدفع الثمن». فيما اعتبر رئيس البيت اليهودي، وزير الاقتصاد نفتالي بينيت، أن «هذا وقت العمل وليس وقت الكلام»، في دعوة ضمنية الى فعل رد انتقامي على مقتل المستوطنين. ورأى نائب وزير الدفاع الاسرائيلي داني دانون أن «هذه النهاية التراجيدية يجب أن تكون أيضاً نهاية حماس. الشعب قوي ويمكنه تحمل نتائج توجيه ضربة قاضية لحماس». واضاف دانون: «يجب رش الإرهاب بالمبيدات. يجب هدم بيوت ناشطي حماس، وتدمير مخازن الذخيرة في كل مكان، ومصادرة كل الأموال التي تصب بشكل مباشر وغير مباشر للحفاظ على لهيب الإرهاب. يجب ردع كل تنظيم يفكر مرة أخرى في اختطاف مواطن أو تهديد إسرائيل».
من جهته، قرع وزير الاسكان أوري اريئيل، طبول الحرب، مشيراً إلى أن «الحرب هي الحرب، يجب من ناحية ضرب المخربين دون رحمة، وتوفير رد صهيوني مناسب من ناحية أخرى».
وفي مقابل ذلك (رويتزر، أ ف ب)، توعّدت حركة حماس بأنها ستفتح «أبواب جهنم» على إسرائيل إذا أقدمت على أي تصعيد.
وقال المتحدث باسم الحركة سامي أبو زهري، إن «قصة اختفاء ومقتل المستوطنين الثلاثة تعتمد على الرواية الإسرائيلية فقط وإن الاحتلال الإسرائيلي يحاول أن يستند إلى هذه الرواية لتبرير حربه الواسعة ضد شعبنا وضد المقاومة وضد حماس».
وفي سياق ردود الفعل الدولية، أعرب الرئيس الأميركي باراك أوباما عن مواساته لمقتل المستوطين الثلاثة. ودعا جميع الأطراف إلى الامتناع عن الأعمال التي من شأنها تصعيد التوترات في المنطقة. وأشار إلى أنه عرض المساعدة الأميركية على إسرائيل والفلسطينيين، للعثور على المسؤولين عن وفاة الثلاثة.
من جهته، وصف رئيس الوزراء البريطاني ديفيد كاميرون مقتل المستوطنين، بأنه «عمل إرهابي مرعب لا يمكن تبريره»، مؤكداً دعم بلاده لإسرائيل في محاسبة المسؤولين عن هذا العمل، فيما أدان الرئيس الفرنسي فرنسوا هولاند «بشدة جريمة الاغتيال الجبانة» للمستوطنين الإسرائيليين الثلاثة.