مثّل حي الحميدية الحمصي واحداً من آخر معاقل المسلحين في المدينة القديمة. وقد وضعت التسوية التي جرت الشهر الماضي بين الجيش والمسلحين، حداً لتغريبة أهله التي دامت قرابة عامين ونيّف. تتفاوت نسب الدمار على امتداد جغرافية الحي، حيث نال منخفض وادي السايح نصيب الأسد من الخراب. وهو اليوم عبارة عن كتلة أبنية مهدمّة تفتقد الحياة، فيما يبدو الشارع الرئيسي أفضل حالاً، إذ إن كنائسه العتيقة قاومت الحرب وصمدت.
أحد العاملين في شؤون الاغاثة، يشرح لـ«الأخبار» أنّ منازل الحي المنهكة باتت تحتضن اليوم أكثر من 500 شخص، بينهم شيوخٌ وأطفال.
وتمثّل بطريركية الروم الأرثوذوكس، بالشراكة مع الهيئة اليسوعية لإغاثة اللاجئين، رافعة حقيقية لما يمكن أن نسميه «نشاط مجتمع أهلي» في الحميدية، حيث تمثّل المؤسستان صلة وصل بين سكان الحي والجهات الرسمية، التي فرضت أخيراً، وبأمر من قائد شرطة حمص اللواء أكرم بصّو، طوقاً أمنياً يقضي بإغلاق كامل المنافذ الفرعية في الحيّ بسواتر ترابية، اضافة الى تأمين مداخل الحميدية من خلال الدخول عبر مدخل واحد من جهة الساعة القديمة، ومخرج واحد من جهة مؤسسة المياه. هذا الامر ضمن عدم المساس بأمن الحميدية، التي تعيش اليوم حالة استقرار نسبي، سمحت لعدد لا بأس به من المتطوعين بالإعلان عن مبادرات فردية ترمي الى تحسين الواقع المعيشي والخدمي في المنطقة. فكانت البداية مع حملة «لوّنها» (للشقيقين فادي وسهيل عجميان) شارك فيها عدد من أبناء الحي، تولت إعادة طلاء مجموعة من الجدران، كانت قد امتلأت بشتائم وكتابات من وحي الحرب. وعمل الشباب على تزيينها برسوم وتشكيلات حمل بعضها صوراً للأب اليسوعي فرانس فانديرلخت، الذي اغتيل خلال فترة الحصار بعدما رفض، مراراً، الخروج من «الحارة»، كما يحلو لأهل الحميدية تسميتها.
وتبذل محافظة حمص جهوداً واضحة لإعادة تأهيل الحي قبل حلول الشتاء، حيث جرى التنسيق مع بطريركيّة الروم الأرثوذوكس بافتتاح مكتب لاستجرار التيار الكهربائي عبر محولات مؤقتة، ريثما يجري الانتهاء من إصلاح الشبكات المركزية التي دُمرت بفعل الحرب. كذلك جرى العمل على تجاوز أزمة مياه الشرب، عن طريق توزيع خزانات منزلية تُملأ بصورة شبه يومية بواسطة صهاريج جوّالة، إضافة إلى الشروع في حفر آبار محلية تلبّي احتياجات الأعداد المتزايدة من المهجرين العائدين إلى بيوتهم. واستأنف ابتداء من أمس الاثنين، الدوام الإداري في مدرستي «وصفلي قرنفلي» و«مطانيوس حنّا» لتكونا جاهزتين لاستقبال طلاب المرحلتين الأساسية والثانوية مع بداية العام الدراسي المقبل.
لم يسقط المونديال من حسابات أهل «الحارة»، فقد سارع مطعم «بيت الآغا»، لاحتضان الحدث ضمن الإمكانات المتاحة، وصناعة طقس عرض شعبي دون اللهاث خلف مقابل مادي يذكر. حاله في ذلك حال بعض الأطباء الّذين فتحوا عياداتهم، أو ما بقي منها، لمعالجة المرضى من سكان الحي مجاناً. وكانت صفحة «عن حارتنا الحميدية ببساطة» على موقع «فيسبوك»، قد نشرت في وقت سابق من الأسبوع المنصرم دعوة مفتوحة لحضور إكليل كنسي هو الأول منذ انتهاء الاقتتال الدائر في أزقة المدينة العتيقة وشوارعها. هكذا ستحتضن كنيسة «السّيدة العذراء ــــ أمّ الزنّار» زواج الشّاب كنان الخوري بالشّابة حلا خليل وستعلو أصوات الزفة الحمصية، مجدداً، في مدينة مثّل اسمها، حتّى الأمس القريب، معادلاً لكلّ صنوف الألم والموت في سوريا.