دمشق | منذ بدأت أسعار البنزين تتضاعف بعد الأحداث، قرّر أحمد ركن سيارته وعدم تحريكها، مقلّصاً بذلك تنقلاته. فالمواصلات هنا لم تعد كما كانت، وأبسط مسافة باتت تكلّف الكثير بسبب الحواجز والازدحام وغياب القانون. أزمة البلاد طالت، والازدحام أصبح أشد قسوة مع تقدم عمر الأزمة واتساع دائرة الحرب. فكان الحل عند أحمد بالعودة إلى السيارة والاستفادة منها بطريقة أكثر اقتصادية من خلال المشاركة مع بعض الجيران وتقاسم تكاليف البنزين، وبالتالي تحوّل أحمد من مجرد موظف إلى أشبه بسائق الاجرة الخاص.

حال أحمد لا يختلف عن حال آخرين شاركوا في مصروف السيارات لتخفيف وطأة ارتفاع الأسعار. وربما فكّر البعض بطريقة أكثر تجارية، فحوّل سيارته الخاصة إلى وسيلة نقل جماعية للركاب. يتحدث وائل عن تجربته: خسر عمله بعد الأحداث وبقي في المنزل لأشهر عدة. وعندما ضاق به الحال قرر العمل سائق أجرة، واتخذ من أسفل جسر فكتوريا في العاصمة مكاناً له لجمع الركاب مقابل 100 ليرة عن كل شخص، بحيث يتّجه في كل مرة إلى منطقة من مناطق ريف دمشق كقدسيا وجمرايا وغيرها. سلك هذا الخيار بسبب الحاجة وهو يعرف أنها طريقة غير قانونية، وقد يتعرّض للمخالفة بسببها، لكنه حتى الآن لم يواجه مضايقات تذكر، فيما تسعى محافظة دمشق الى تقنين هذه الظاهرة ومكافحتها من خلال الترخيص لخدمة «السرفيس التاكسي» في شوارعها، شرط أن يكون الأمر وفق قواعد ناظمة ولسائقي سيارات الأجرة فقط.
ويوضح مصدر في المحافظة لـ«الأخبار» أنّ «الأحداث الأخيرة وفقدان الأمان في البلاد دفعا بعض سائقي سيارات الأجرة الى ركن سياراتهم وترك هذه المهنة، وبالتالي أصبحوا عاطلين من العمل». ويتابع أنّ «المحافظة قرّرت استقطاب هؤلاء وإعادتهم إلى سوق العمل، فأعدت دراسة لإحداث منظومة «سرفيس تاكسي»، تتكون من شبكة ذات خطوط محدّدة وبتعرفة واحدة لتقديم خدمة النقل الآمن والمريح والسريع في المدينة. وأوضح أنه «مبدئياً حدّدت عشرة خطوط مساراتها، وأُعلنت وبدأ عدد من أصحاب سيارات الاجرة بالتسجيل لتوقيع تعهد لاحقاً للتقيد بعدد الركاب وأوقات العمل وأماكن الوقوف، وسيجري ترميز السيارات ومنحها علامات خاصة».
ويرى المصدر أنّ هذه الخطوة ستسهم في تنظيم عمل «التكاسي»، وخاصة بعدما كثرت المخالفات بسبب عدم التقيّد بالتعرفة، واعتماد بعض السائقين أسلوب دمج طلبات عدة في آن واحد، وتقاضي الأجر من جميع الركاب دون أي التزام بعدّاد.
ولا تشبه هذه التجربة ما هو قائم في لبنان من خدمة سيارات الاجرة الخاصة، كما يبيّن المصدر، بل ستكون منظمة بخطوط ثابتة يلتزمها السائق ولا يجوز تغييرها وإلا تعرّض للمخالفة. وهي بذلك تختلف عن فكرة الـ«سرفيس» القديمة التي كانت سائدة في دمشق، والتي كان لها سيارات خاصة لهذه المهمة. وختم المصدر بأنّ هذه الخدمة لن تتوافر اليوم إلا في دمشق ولاحقاً في حال نجاح التجربة ستعمم على محافظات أخرى.
يذكر أن دمشق تعتمد في مجال النقل العام الجماعي على منظومة باصات كبيرة تعود ملكيتها إلى الدولة وإلى بعض الشركات الخاصة المستثمرة، كما تعتمد على شبكة «الميكروباص»، وهي عائدة إلى القطاع الخاص، إضافة إلى «التكاسي» التي بلغ عددها في دمشق وريفها 35 ألف سيارة.