بردٌ شديد يجبرك على ارتداء خزانتك وإشعال المدفأة في حال كان هناك كهرباء. أما إن كانت مقطوعة، وهي غالباً كذلك، تركض للهاتف المحمول والذكي، الى الفيسبوك لترى العالم، الذي لديه كهرباء وحرية، ماذا يفعل. أمسك بهاتفي بيدين ترتجفان. كان قد مرّ على تركي له فقط عشر دقائق كاملة، نعم أعرف أنه وقت قصير.. لكنه الملل يا سادة!
دائماً ما تشدني الأشياء ذات العناوين الغريبة، وحدث أن شدني هذه المرة فيديو وجدت الناس يتداولونه، وقد وضع له عنوان غبي! شاهدته فضولاً، ثم مرة أخرى لأتأكد مما رأيت، ثم كان ما كان من سيل شتائم لا حصر لها "بصقتها" وأقفلت هاتفي النقال. تباً لهذا العالم!
كان العنوان كالتالي "شباب فلسطينيون ينقذون جندياً إسرائيلياً إثر تعرضه لحادثٍ مروري". ليذهب الى الجحيم، إنها العدالة الإلهية!
فيديو آخر كان قد سبقه الى التداول منذ فترة قريبة، ولكن المنقذ هذه المرة كان بعض العاملين في جمعية الهلال الأحمر الفلسطيني، حيث قاموا هم أيضاً بإنقاذ جندي إسرائيلي على حاجز حوارة. قرأت التعليقات على الفيديوهين لتصيبني "الجلطة" أكثر! بعض المعلقين تلا علينا "خطبة جمعة" عن الإنسانية! حسناً، جميلة هي الإنسانية ولكن ليس من طرف واحد. قولوا لي بالله عليكم: هذا الجندي كم طفلاً أو امرأة أو شاباً منا قد قتل؟ ربما كان زعلان من حبيبته "فَفش خلقه" بطفل عابر سجلته نشرات الأخبار أنه كان يحاول طعنه أو في أحسن الأحوال مجرد رقم!
هذا الجندي على الأقل... وخطوا بالأحمر تحت "على الأقل"، قتل فلسطينياً واحداً، فهل نعاقبه بإنقاذه من الموت! أي إنسانية بربكم! تنقذونه ليقتل المزيد والمزيد منا؟! هو جندي، آلة قتل، وإسرائيلية فوق الدكة، أي وحش.
فداء الوطن، وهي ممرضة، تبرر رأيها بقولها إنها "في يوم تخرجي أقسمت على علاج كل من محتاج لذلك مهما كانت عقيدته أو ديانته وجنسه، فمن الناحية القانونية والإنسانية يجب تقديم المساعدة بقدر المستطاع لأي جريح"!
ولأن حلف اليمين يقابله حلف يمين آخر. سأقترح هيئة لحلف اليمين ضد الذين يقتلون أطفالنا على اختلاف جنسهم وديانتهم، كما أوردت الأخت تماماً!
وبالطبع لا يكتمل "النقاش" الفضيحة إلا بذكر أفيخاي أدرعي (الناطق الرسمي باسم الجيش الإسرائيلي) هكذا يعلق إسلام الحور قائلاً: "خللي افيخاي يشوف شو يعني إنسانية"! يا سلام! كم هو مهم هذا الأفيخاي! ماذا يقال في ذلك يا إسلام؟ سأقول لك إني من مصادر خاصة عرفت أنه يصفق لما رآه من شهامة ورجولة شبابنا حتى أنه فكر بالعودة إلى بلاده الأصلية، ونعم الإنسانية "يا خال"!
تعليقات أخرى كانت تحمل النقيضين: مؤيد ومعارض، جعلتني أفكر عميقاً: هل يا ترى نجحوا في نشر مفهوم التعايش السلمي والتطبيع؟ هذه المفاهيم التي لا يتوقفون عن بثها كالسم، بعضها عن طريق مؤسسات أو إعلام وبعضها تركوه للشارع، لمعايشة الصهاينة للعربي الفلسطيني في قرانا ومدننا الفلسطينية.
هذه علامة استفهام كبيرة. بل هي كارثة أن نصل إلى التفكير بإنسانية مع من ضيعوا ملامحها فينا. وأقول وأكرر أن الإنسانية كالحب، لا يمكن أن تكون من طرف واحد.