غزة | ترك 42 طبيباً أماكن عملهم في مستشفيَي كمال عدوان والجزائري بشكل مفاجئ، بعدما تلقّى هؤلاء اتّصالات بشكل منفرد عبر هواتهم النقّالة، طالبتهم بترك مواقع عملهم والتزام بيوتهم، وإلّا سيقعون «تحت طائلة المسؤولية». وأكد رئيس المكتب الإعلامي الحكومي في غزة، سلامة معروف، مساء الخميس الماضي، انسحاب عشرات الأطباء ممَّن يتقاضون رواتبهم من السلطة الفلسطينية، «بناءً على تعليمات وردت إليهم من قيادة جهاز الخدمات الطبّية في رام الله ومن دون إبداء أسباب». وتسبَّب هذا الانسحاب بتعميق حالة العجز التي يعانيها الكادر الطبّي في تلك المشافي، ما اضطرّ أقسامها إلى تأجيل العمليات المجدولة والعمل وفق جدول الطوارئ وزيادة ساعات الدوام على الطاقم الطبّي. وأفاد عيد صباح، وهو رئيس قسم التمريض في مستشفى كمال عدوان (شمال)، بأن انسحاب الأطبّاء جاء بشكل مفاجئ ومن دون إبداء أيّ أسباب، عقب اتّصالات وتهديدات وردت إليهم من قيادة الخدمات الطبّية في رام الله، تأمرهم بضرورة وقْف عملهم كونهم يعملون مع «جهة معادية» على حدّ وصفها. وأوضح صباح، في حديثه إلى «الأخبار»، أن «عدد الأطبّاء الذين استنكفوا عن العمل في مستشفى كمال عدوان 17 طبيباً وفنِّياً مختبراً وممرّضاً، ويعملون في تخصّصات حسّاسة في المستشفى، منهم 6 أطبّاء جراحة و3 أطبّاء جراحة عظام و2 تخصّص نساء وولادة و3 أطبّاء أطفال». ووفقاً لصباح، فقد اضطرّ المستشفى إلى العمل بالخطّة «ج» التي لا يُلجأ إليها إلّا في أوقات الحروب؛ إذ زادت الإدارة ساعات العمل على الكادر المتوفّر، وأجّلت جداول العمليات الجراحية، ما انعكس سلباً على الأداء الخدماتي داخل المستشفى - المخصَّص للمدنيين والعسكريين - الذي يقدّم الخدمة لأكثر من 750 ألف نسمة.
وتعيش المنظومة الصحّية في غزة واقعاً إدارياً متداخلاً، تتنازع فيه الصلاحياتِ وزارتان، حيث يعمل في القطاع مئات الأطبّاء الذين يتبعون إدارياً وزارة الصحّة في غزة، فيما يتلقّون رواتبهم من السلطة في رام الله، التي تورّد أيضاً جزءاً من الأدوية إلى مستودعات القطاع، وتدفع فاتورة التحويلات الطبّية إلى الخارج. وبلغ عدد العاملين في القطاع الصحّي في غزة 5600 موظف، بينهم نحو 600 طبيب عام، و350 طبيباً متخصّصاً، فيما يعمل البقيّة في المجالات الصحّية المسانِدة كالمختبرات والأشعّة والتخدير والتمريض، ويقدّم هؤلاء الخدمة الصحّية لأكثر من 3500 حالة مرضية يومياً في 13 مستشفى تتبع الوزارة.

روايات متضاربة
وبالعودة إلى واقعة مغادرة الأطبّاء، أكدت مصادر طبّية، لـ«الأخبار»، أن «دوافع رام الله في خطوتها سياسية بامتياز، في ضوء زيادة حدّة المناكفات الحزبية، حيث تصنِّف إدارة الخدمات الطبّية في رام الله مستشفى كمال عدوان الذي يتبع الخدمات الطبّية العسكرية، ويقدّم الخدمة في المقام الأوّل لعناصر الأجهزة الأمنية في غزة، على أنه جهة معادية». غير أن مصادر «فتحاوية» قالت، لـ«الأخبار»، إن «التعيينات والترقيات بناءً على الخلفية الحزبية من دون مراعاة الكفاءة والخبرة، تسبَّبت بنفور الأطباء من بيئة العمل، خصوصاً أن الإدارة الحمساوية تُميّز بين الموظفين على أساس حزبي»، مستشهداً بـ«تعيين أحمد الكحلوت مديراً لـ»كمال عدوان» على رغم أنه ممرّض وليس طبيباً، بمعزل عن الشهادات العليا التي نالها في تخصُّصه، إلّا أنه ليس من المعقول أن يدير ممرّض أطباءً ذوي خبرة وتاريخ طويل في المهنة».
تعيش المنظومة الصحّية في غزة واقعاً إدارياً متداخلاً، تتنازع فيه الصلاحياتِ وزارتان


ويفنّد صباح تلك «الادّعاءات» بقوله، لـ«الأخبار»، إن «الدكتور أحمد الكحلوت عمل مديراً لمجمع كمال عدوان منذ تحديثه وإعادة افتتاحه عام 2016، وتربطه بالأطباء والكادر الطبّي علاقة مميّزة، لم يطرأ عليها أيّ تغيير أخيراً، كما أن الأطبّاء الذين انسحبوا من عملهم، يحظون بمكانة محترمة بين زملائهم، ومنهم مَن يشغلون مناصب رؤساء أقسام، حيث يعمل بعضهم رئيس قسم التخدير ونائبه، ورئيس قسم الاستقبال، ومدير قسم الاستقبال، وجميع هؤلاء مدراء ولهم كلمتهم في المستشفى»، متسائلاً: «إذا كان هناك اعتراض على مدير «كمال عدوان»، فلماذا انسحب 20 طبيباً آخر من المستشفى الجزائري الذي يتولّى إدارته طبيب جرّاح؟». غير أنه أكد أن «إدارة المستشفى على استعداد لإجراء معالجات فردية لأيٍّ من الأطبّاء غير الراضين عن أوضاعهم الوظيفية، خصوصاً أن قرار سحبهم من العمل كان شفوياً وليس مكتوباً».
بدورها، نفت وزارة الصحة في رام الله، في بيان، الأنباء المتداولة عن إصدارها قراراً بسحب الأطبّاء من مشافي القطاع. وقالت الوزيرة مي كيلة: «لم تَصدر أيّ أوامر لكوادر الصحّة في غزة بمغادرة المراكز الطبّية، على الرغم من المضايقات التي يتعرّضون لها من العاملين الذين عيّنتهم صحّة غزة في المجال». وأضافت كيلة أن «الصحّة الفلسطينية ما زالت تدفع رواتب العاملين في غزة، وتقدّم لمستودعات الأدوية ما يلزمها، وكذلك تسهّل نقل المرضى إلى مستشفيات خارج القطاع وتغطّي نفقات العلاج بالكامل، في حين لا توجد لديها أيّ سلطة فعلية على المستشفيات والطواقم الطبّية داخل غزة». وفي ضوء الضجّة التي لحقت بذلك القرار، تدخَّل المجلس التشريعي في محاولة لحلّ القضية. وقال النائب مسؤول لجنة القضايا الاجتماعية، عبد الرحمن الجمل، إنه «يتابع القضية للوقوف على أسباب ذلك وتداعياته، وإلى حين الوصول إلى نتائج دقيقة مطلوب من الأطبّاء العدول الفوري عن قرار الانسحاب تأدية للواجب الإنساني وحفاظاً على شرف المهنة».