غزة | تكفي دراسة فاحصة للظروف التي تعيشها حركة «حماس»، في ظل حصار خانق تجاوز حدود عجزها عن توفير رواتب موظفي الحكومة إلى رواتب التنظيم، من أجل الإشارة إلى أن معادلة «هدوء مقابل فكّ الحصار عن غزّة» أكثر إنصافاً ومجاراة لواقع الأزمة، على خلاف ما أعلنه جناحها المسلح، كتائب القسام، عن «الهدوء مقابل الهدوء».
على «حماس» الآن، وفق متابعين، أن توسّع ردود فعلها الدفاعيّة ضد الإسرائيلي، لكنها ستجد نفسها على عتبة مواجهة عسكرية شاملة، أو عليها استغلال قناة التواصل المصريّة الضيقة لتثبّت تهدئة مشابهة لاتفاق عام 2012، مقابل تخفيف الحصار عبر فتح المعابر والتسهيلات الاقتصادية. يبدو أن كفّة السيناريو الثاني أكثر رجوحًا، خاصة مع الالتفات إلى التضارب في تصريحات قيادات «حماس» عن حقيقة التهدئة وحيثياتها، فبين نفي أسامة حمدان وجود مساعٍ مصرية للتهدئة، وتأكيد مشير المصري ذلك، تترسّخ فكرة أن ثمارا سياسيّة على صعيد غزّة، وبمعزل عن الضفة والقدس، ترنو الحركة إلى قطفها من وراء جولات التصعيد النسبيّ الأخير.
ما يعزّز هذا التحليل، أن المعطيات الراهنة تشير إلى انهيار المصالحة على نحو تدريجي بعد دخول القطاع مرحلةً جليّة من الفراغ الإداري والأمني، وتبدّد أحلام دفع حكومة التوافق الوطني رواتب 40 ألفًا من موظفي «حماس»، ما يدفعها إلى التفكير في حلولٍ أخرى عبر البوابة المصريّة، وإن كانت على حساب استثمار حالة الغضب الشعبي العارم، مع أنها حالة كان يمكن توظيفها في إعادة إحياء المقاومة المسلّحة، وإسقاط «المناطقيّة» التي يرسخها الاحتلال.
في حسابات الفصائل الباقية رأي آخر، فقد نأت «الجهاد الإسلامي»، وهي الثانية كبراً بعد «حماس» في المقاومة في غزة، عن مشاركة وازنة وثقيلة في إطلاق الصواريخ على المستوطنات، وذلك «خوفاً من تسوية سياسية تترك بقيّة مدن فلسطين مشتعلة أو تقتل الانتفاضة فيها».
هنا، يُفصح مصدر في «الجهاد الإسلامي» لـ«الأخبار» عن تصدّر كتائب القسام قذف الصليات الصاروخيّة مؤخراً، «وإن كانت الأخيرة لا تتبنى ذلك على المستوى الإعلامي»، مشيراً إلى مشاركة كتائب أبو علي مصطفى (الجبهة الشعبية)، و«ألوية الناصر صلاح الدين» في ذلك. ويضيف المصدر، الذي رفض كشف هويّته، أنه «في ظل الفشل الإداري والأزمة المالية الخانقة يصعب على حماس تهدئة الأوضاع دون جني ثمار تصبو إليها»، مؤكداً في الوقت نفسه أن «الجهاد» تطلق الصواريخ على نحو خفيف، لكنه أبدى جهوزية حركته الكاملة في حال فرض الاحتلال توقيت المعركة. وعن سبب رفضهم الإقدام على فتح الجبهة، قال: «قطاع غزة لا يتحمّل آثار هذه المعركة، كما إنّ الأمين العام رمضان شلح رفض أخذ دور الوساطة بين حماس ومصر».
أما على صعيد «فتح»، الخصم السياسي لـ«حماس»، فهي تحاول ضرب عصفورين بحجر، الأول استغلال حالة الغضب الشعبي لإظهار حماس «حركة تشذّ عن الإجماع الوطني»، وثانيهما تحسين الصورة المشوّهة للحركة في الضفة بفعل التنسيق الأمني. في هذا الصدد، اتهم الناطق باسم «فتح»، أحمد عساف، «حماس»، بإخفاء مصالح مشتركة تربطها بالاحتلال الإسرائيلي، قائلا في تصريح صحافي، إن «الطريقة التي تسعى حماس فيها إلى التوصّل إلى هدنة مع الاحتلال طريقة مشبوهة، ومن شأنها أن تضرب وحدة التمثيل الفلسطيني»، في إشارة إلى مهمة الأمن في غزّة التي من المفترض، بوزير الداخلية ورئيس الوزراء، رامي الحمدالله أن يتسلّم ملفها.
على خلاف ذلك، يرى المحلل السياسي هاني حبيب أن «حكومة الحمدالله وهميّة على جميع الأصعدة ولا تتحمّل تبعات الوضع الميداني في غزّة إيجابيا أو سلبيا». هذا في رأيه دفع القاهرة إلى التواصل مع «حماس» وليس مع حكومة الوفاق. ورجّح حبيب في حديثه لـ«الأخبار» ميول «حماس» إلى التهدئة وفق ما سيقبله الاحتلال من اشتراطاتها السياسية مقابل وقف إطلاق الصواريخ، لكنه قلل سعي الحركة إلى تحقيق أهداف عسكرية كترميم قوّة الردع.
في المقابل، قال المتحدث باسم «ألوية الناصر»، أبو عطايا، إن المقاومة لا تعمل وفق الحسابات السياسية المتعلقة بالحكومات، مضيفاً أن أبواب المعركة التي قد يفكّر الاحتلال بفتحها في غزّة لن يتمكن من إيصادها. وتابع لـ«الأخبار»: «العدوّ لن يفكر في هذه الآونة باغتيال أحد رموز المقاومة، لذا سيكون الرد منحصرا في دائرة تناسب حجم الاعتداءات». أما عن المعيار الذي ستحدّد به المقاومة وقف التصعيد الراهن، أجاب أبو عطايا: «عودة الهدوء إلى غزّة وبقيّة مدن فلسطين»، نافياً سعي «حماس»، وفق معلوماته، إلى تحقيق أهداف سياسية خالصة من وراء التصعيد.