رام الله | عاشت مدن الضفة الغربية المحتلّة، يوم الثلاثاء، حداداً عامّاً على اغتيال قوات الاحتلال المقاوِم إبراهيم النابلسي ورفيقَيه سلام صبوح وجمال طه، في مدينة نابلس، فيما اشتعلت حالة اشتباك واسعة من شمال الضفة إلى جنوبها. وجاءت عملية الاغتيال بعد ساعات فقط من انتهاء العدوان على غزة، لتزيد من احتقان الشارع الفلسطيني، الذي حسم خياره في موكب تشييع الشهداء، من خلال المشاركة الكبيرة والهتاف بتأييد المقاومة وضرورة الردّ على جرائم العدو، في حين شدّدت الفصائل على ضرورة تصعيد الاشتباك في الضفة. في مدينة جنين (شمال)، كانت جريمة نابلس مناسبة لتجديد التمسّك بنهج المقاومة المسلّحة الذي اختارته المدينة ومخيّمها والقوى الفاعلة فيها، عبر مسيرة خرجت من مخيم جنين، يتقدّمها عشرات المسلّحين الذين رفعوا صور شهداء نابلس، وشهداء معركة «وحدة الساحات» الأخيرة، مؤكدين مُضيّهم في هذا النهج في الضفة والقطاع. ولم يختلف المشهد في نابلس التي خرجت عن بِكرة أبيها في تشييع الشهداء، في موكب ندَرت رؤيته في السنوات الأخيرة. وبينما عمّ الإضراب الشامل مدن الضفة حداداً، شهدت نقاط التماس والحواجز العسكرية مواجهات عنيفة بين الشبّان وقوات الاحتلال، في عشرات نقاط الاحتكاك، استشهد خلالها الفتى مؤمن ياسين جابر (16 سنة) متأثّراً بإصابته برصاص جنود العدو في الخليل، وأصيب العشرات بجروح مختلفة بالرصاص الحيّ والرصاص المطاطي في أكثر من 20 نقطة مواجهة.
وأكدت «كتائب شهداء الأقصى» أن «دماء الشهداء في نابلس ستكون وقوداً للمواجهة والثورة»، وأن «ضرباتها سوف تستمرّ في كلّ مكان»، بينما اعتبرت «الجهاد الإسلامي» أنه «لا عذر لأحد بعد اليوم، ما يجري في نابلس يُظهر أن الاحتلال لن يترك شعبنا ومقاومتنا، وسيمارس إجرامه بأبشع صوره إذا تمّ تمرير ما يقوم به»، مضيفة «(أننا) أمام سياسة جديدة وتصعيد خطير من قِبَل قوات الاحتلال، يتوجّب منّا الوقوف وقفة جدّية وحقيقية لصدّ هذا العدوان (...) وأن نرفع وتيرة المقاومة وتدفيع الاحتلال الثمن على هذه الجرائم». ورأت حركة «حماس»، بدورها، أن «الصراع ضدّ الاحتلال دخل مرحلة جديدة»، وأن «اشتباكات نابلس التي قُتل فيها مقاومون، تؤكد أن الصراع يتصاعد يوماً بعد يوم»، بينما حذّرت الرئاسة الفلسطينية من «مغبة توجّه الاحتلال إلى مواجهة شاملة مع الشعب الفلسطيني».
تَرفع إسرائيل من وتيرة اعتداءاتها ومخطّطاتها في الضفة الغربية، وفق مبدأ «طنجرة الضغط»


وتَرفع إسرائيل من وتيرة اعتداءاتها ومخطّطاتها في الضفة الغربية، وفق مبدأ «طنجرة الضغط». فهي أطلقت العنان للمشروع الاستيطاني للتوسُّع في كلّ المناطق على حساب الفلسطينيين وأراضيهم، وأغلقت الأبواب بشكل نهائي أمام أيّ فرصة أو محاولة لتحريك الملفّ السياسي، واعتمدت سياسة واضحة ومباشرة عنوانها تعزيز الامتيازات والتسهيلات الاقتصادية، والتي تُعدّ بمثابة «الجزرة» التي تقدّمها للفلسطينيين، في حين تعتمد على الحلول الأمنية والعسكرية لمعالجة الأوضاع الميدانية، بسياسة «جزّ العشب» في ملاحقة المقاومين والنشطاء، سواءً في عمليات المداهمة والاعتقال، أو الاغتيالات. وتنذر عملية الاغتيال في نابلس بتصعيد ميداني في الضفة وغزة، بخاصة مع رغبة الفلسطينيين أكثر من أيّ وقت مضى في تكريس ربط ساحات المقاومة بعضها ببعض، وهو ما تسعى إسرائيل لكسره عبر تجزئة الساحات وجبهات القتال.
ومنذ معركة «سيف القدس» التي تجرّعت فيها إسرائيل مرارة الهزيمة، وهي تحاول تعويض ذلك في الضفة الغربية، بمزيد من العدوان. ولعلّ هذا ما يفسّر السماح للمستوطنين بممارسة ما يحلو لهم خلال اقتحام المسجد الأقصى على عكْس ما كان يجري سابقاً، والتحريض على قتل الفلسطينيين، وحصْد الدم الفلسطيني لاستخدامه في سباق الانتخابات المقبلة، وما شنّها لعدوان جديد على قطاع غزة إلّا لوضع حدّ لتدخُّل الفصائل في ما تقوم به في الضفة. ويعيش كيان الاحتلال، منذ عام، على وقْع تحريض إعلامي وعسكري مرتفع على تنامي وتيرة المقاومة في الضفة بشكل عام، ومدينة جنين ونموذج الكتيبة التي أسّستها بشكل خاص، وتحديداً بعد أن انتقل ذلك النموذج إلى مدن أخرى مثل نابلس وطوباس، حيث بات شمال الضفة يوصف بـ«قلعة الجهاد الإسلامي» التي تحتاج إلى اقتلاع، وفق سياسة «جزّ العشب».
وتعدّ الضفة الغربية جوهرة المشروع الصهيوني الاستيطاني. ولذا، تعمل إسرائيل بشكل متسارع ومتواصل لإحكام السيطرة عليها، ولن تتوانى من أجل ذلك عن ارتكاب كلّ الجرائم والاعتداءات، بالتزامن مع إغلاق الأبواب أمام أيّ فرصة لعملية سياسية، ما يفقد السلطة الفلسطينية أيّ مبررات للإبقاء على الاتفاقيات المُوقَّعة مع دولة الاحتلال، وعدم تنفيذ قرارات «المجلس المركزي» بقطع العلاقات معها، بما يشمل وقْف «التنسيق الأمني»، وسحب الاعتراف بإسرائيل، وتأجيج المقاومة والمواجهة الشاملة. ويرى الكاتب والمحلّل السياسي، إبراهيم أبراش، في تصريح إلى «الأخبار»، أن «إسرائيل حريصة على أن يبقى التوتّر في قطاع غزة حتى تُبعد الأنظار عمّا يجري في الضفة والقدس، لأن المواجهة الحقيقية والأساسية هي هناك، ونحن كفلسطينيين يجب أن نركّز جهودنا واهتمامنا عليها».
من جهته، يعتقد عضو «المجلس الثوري لحركة فتح»، جمال حويل، أن «ما يخطّط له الاحتلال هو الاستفراد بالساحات، فمرّة يهاجم غزة، ومرّة أخرى جنين، ومرّة ثالثة نابلس؛ وأيضاً الاستفراد بالتنظيمات، فمرّة يستهدف حماس، ومرّة أخرى فتح، ومرة ثالثة الجهاد أو الجبهة الشعبية؛ وكذلك بات يستفرد بالأفراد»، معتبراً أن «استمرار هذه السياسة الإسرائيلية والاكتفاء بالتفرّج عليها أمر خطير»، مضيفاً أن «علينا التعلُّم من التاريخ، وفق قاعدة «الوحدة الوطنية قانون الانتصار، والمقاومة الشاملة بحسب المرحلة والزمان والمكان»». وفي إشارة إلى عدم وجود خيارات غير المواجهة، يتساءل: «ما هي الخيارات أمام الشعب الفلسطيني، بعد أن جرّب المفاوضات لمدّة 30 عاماً، ولم تقدّم له شيئاً وأعادت القضية سنوات إلى الوراء بما كرّسته إسرائيل على الأرض من زرع مليون مستوطن في الضفة الغربية، وبناء جدار فصل عنصري يقضم الأراضي الفلسطينية، وتهويد القدس وسرقة مقدّرات الفلسطينيين والسيطرة على السماء والحدود؟».