الفكرة بدأت همساً منذ حوالى ٧ أشهر. «مصالح مشتركة قد تجمعنا مع روسيا وإيران والنظام السوري في القضاء على المتطرفين»، قال نائب مستشار الأمن القومي الأميركي توني بلينكن في اجتماع في كانون الأول الماضي.
«يجب التفكير بمستقبل مع الرئيس بشار الأسد وليس من دونه»، كتب السفير الأميركي الأسبق في سوريا راين كروكر في الشهر نفسه. لكن معظم الإعلام السائد استمرّ في تلك الفترة بتوجيه دعوات علنية الى «تسليح المعارضة المعتدلة في وجه المتطرفين ولإسقاط الأسد». كان من غير الوارد حينها ذكر عبارة «تحالف أميركي مع الأسد» في أي مقال.
لكن مع إعلان «الدولة الاسلامية» سيطرتها على مناطق في سوريا والعراق والكشف عن قدراتها الخطيرة، تحوّل الهمس الى أسئلة علنية: «هل يمكن أن تتحالف واشنطن مع طهران والأسد بوجه الإرهاب؟» كتب صحافيون، حتى تحوّل السؤال الى دعوة صريحة أخيراً: «على الولايات المتحدة أن تدعم الأسد في مواجهة داعش»، عنون الصحافي روبرت دريفوس في مجلة «ذي نايشن» الأميركية، منذ أيام.
«مفتاح حلّ أزمة داعش موجود في قصر الرئاسة في دمشق واسمه بشار الأسد»، أشار دريفوس في مقاله الأخير. «ربح الأسد الحرب الأهلية وليس بإمكان الولايات المتحدة أن تسقطه. وهذا أمر جيد لأن التخلص منه سيقوي المتطرفين الى أقصى درجات»، أضاف الكاتب.
«اتهم الأسد زوراً في وقت سابق بدعم داعش لكن ها هو يرسل طائراته لقصفها على الحدود العراقية ــــ السورية» يشرح دريفوس سبب دعوته الى دعم الأسد، ويقول إنه «من الواضح أن الأسد ليس صديقاً للإنسانية لكنه هناك وهو أفضل من داعش»!
بول ساوندرز في مجلة «ذي ناشيونال إنترست» يصف مشهد تلاقي أهداف روسيا وإيران وسوريا مع أهداف الولايات المتحدة بـ«الغريب العجيب». «مصالحنا هنا لا تتطابق مع قيمنا» يلفت ساوندرز، ويضيف أن «الاصطفاف مع محور روسيا ــــ إيران ــــ سوريا يؤكد أنها ليست متطابقة». المقال يخلص بأنه مع اعتماد «خطوات متواضعة وطارئة» من قبل واشنطن ومع مساعدة «أعداء أعدائنا» (أي روسيا ــــ إيران ــــ سوريا الأسد) سيكون ذلك «كافياً» لمواجهة خطر تمدد «داعش» وتصاعد قوتها.

ماكين: الأسد
يريد أن يضعنا أمام خيارين: إمّا هو
أو داعش
من جهته، يكشف جوش روغن على موقع «ذي دايلي بيست» أن «هناك معركة دائرة الآن داخل إدارة أوباما حول ما إذا كان على واشنطن أن تتحالف مع الأسد لمواجهة خطر داعش وتنسى أمر تنحيته عن السلطة». «كل مَن يدعو الى تغيير النظام في سوريا يبدو غافلاً عن العشر سنوات الماضية وعن انهيار شرق سوريا ونمو جهادستان ما أدّى الى وصول عدد التفجيرات الانتحارية في العراق الى ٣٠ و٥٠ تفجيراً في شهر واحد»، أشار مسؤول رفيع في إدارة أوباما للموقع. كاتب المقال يلفت الى أن الإدارة الأميركية والنظام السوري «كانا فعلياً شريكين رسميين خلال سنة تقريباً». إذ أن واشنطن أوكلت الى النظام السوري مهمة التخلص من الترسانة الكيميائية وعوّلت على الحكومة السورية لنقلها خارج البلاد وبالتالي هو اعتراف أميركي بشرعية الأسد وحكومته على رأس نظام قائم في دمشق.
الفريق الآخر في إدارة أوباما يرفض كلياً بقاء الأسد في السلطة وهم مؤمنون بأن «مشكلة التطرف في المنطقة لا يمكن أن تحلّ الا بإزاحة الأسد من منصبه». لماذا؟ حسب هؤلاء فإن الرئيس السوري ببقائه على رأس السلطة هو بمثابة «مغناطيس» يجذب كل المجموعات المتطرفة للقتال بغية إسقاطه.
سبب ثان يعطيه هؤلاء وهو أن «نظام الأسد يتعاون أصلاً مع تلك المجموعات المتطرفة داخل سوريا بطريقة مباشرة وغير مباشرة ولا يقصف معاقلها الا نادراً على الأراضي السورية». سفير واشنطن السابق في دمشق روبرت فورد هو أحد مروّجي تلك الفكرة.
لكن مقابل حماسة فورد لتسليح الداخل السوري (أكثر بعد!)، يبرز تشاؤم السيناتور الجمهوري جون ماكين. «لا يمكن التفاوض بشأن أي تسوية حول رحيل الأسد الا اذا تغيّر ميزان القوى لصالح مقاتلي المعارضة في الداخل السوري. وهذا أمل فقدناه منذ زمن بعيد»، يوضح ماكين لـ«ذي دايلي بيست». المرشح السابق لرئاسة الجمهورية يقول إنه «من الواضح أن الأسد، حسب استراتيجيته، يريد أن يضعنا أمام خيارين لا ثالث لهما: إمّا هو أو داعش»، فنضطرّ الى اختياره هو.
وحول فكرة تحالف واشنطن مع «أعداء أعدائها» يقول ماكين «أعتقد أن الإدارة لا ترى نفسها في صف موسكو وطهران ودمشق. لكن في الواقع، عندما تتعاون مع هؤلاء (من خلال قصف داعش في العراق) فهذا يعني أنها في الخندق ذاته معهم».