تسعون شهيداً و600 إصابة حتى منتصف الليل في اليوم الثالث للحرب، ولا تزال إسرائيل تصرّ على قصفها المجنون لعشرات المنازل بوتيرة عالية. لا يخلو رأس كل ساعة من نبأ عن استهداف بيت ما، ليقول للفلسطينيين إنكم ستهجرون مجدداً من بيوتكم. رغم رقعة النار الكبيرة في غزة، لا تزال المقاومة تحافظ على رصيد جيد من الصواريخ، فهي تطلق بمعدل يومي ما لا يقل عن 200 صاروخ تعلن عنها الفصائل المسلحة باختلاف مسمياتها، مع بقاء الرصيد الأكبر لكتائب القسام، الذراع العسكرية لحركة «حماس»، وسرايا القدس التابعة لـ«الجهاد الإسلامي».
هذه الصواريخ أدّت وفق اعتراف الاحتلال، أمس، إلى مقتل جندي ومستوطن بقصف تعرضت له كل من مدينة أسدود وتجمع مستوطنات «أشكول»، قبل أن تضطر كل وسائل الاعلام العبرية إلى سحب الخبر بطلب من الرقابة العسكرية. يشار إلى أن المقاومة لم تترك المدن القريبة من غزة (نطاق 20ــ40 كلم) من مداها الناري خلال الأيام الماضية، رغم وصول صواريخها إلى ما هو أبعد، وذلك لضمان إبقاء حالة الشلل فيها، ومحاولة إيقاع خسائر بشرية ومادية، وهو ما نجحت فيه أمس داخل أسدود التي تبعد عن غزة نحو 40 كلم. وذكرت القناة الثانية الإسرائيلية، نقلاً عن مسؤول في نجمة داوود الحمراء الإسرائيلية (الإسعاف والطوارئ)، أن إسرائيلياً قتل وأصيب آخرون بجراح بالغة بسقوط صاروخ فلسطيني مباشرة على سيارة في أسدود. ولفتت القناة إلى أن صواريخ أخرى دمرت سيارات وأصابت مباني أخرى في المدينة، موضحة أن حريقاً كبيراً اندلع في أحد المباني جراء انفجار أسطوانات غاز وصلتها شظايا الصواريخ. كذلك أوضحت أن جندياً قتل وأصيب آخران بجراح جراء سقوط صاروخ مباشرة على مجموعة من الجنود في تجمع مستوطنات «أشكول» في النقب الغربي.
أما في الجانب الفلسطيني الذي يتلقّى ضربات قوية ومدمرة من جيش الاحتلال، فتذكر الإحصاءات الطبية التي صدرت حتى العاشرة من مساء أمس، أن عدد الشهداء وصل إلى 89، منهم 72 من الذكور و17 امرأة. وكان نصيب الأطفال من هذا العدد هو 19 طفلاً مقابل 65 بالغاً وأربعة مسنين. كذلك تلقت محافظة خانيونس الرقم الأكبر في عداد الشهداء بنسبة 36%، مقابل نسب تتراوح في أقل محافظة بين 10% و21% . ومع قراءة سريعة لهذه الإحصائية، إضافة إلى تركز ثلث الإصابات في فئتي الأطفال والمسنين، فإن الظاهر هو الاستهداف المباشرة للمدنيين ممن تلقوا الجزء الأكبر من الضربات جراء سياسة قصف البيوت.
في ناحية أخرى، تتركز الضربات الإسرائيلية في الليل، لكن هذا لا يعني أن ساعات النهار خالية من القصف المركز. ومع نظرة إلى توزيع القصف خلال اليوم نفسه، يتبين أن المعدل التقديري هو عشرة استهدافات خلال 60 دقيقة ما بين قصف لمنزل أو أرض زراعية، وصولاً إلى الاغتيالات والاستهدافات المباشرة.
في ظل هذه الإحصاءات، لفت المتحدث باسم القسام، أبو عبيدة، إلى أن «التصعيد ضد المدنيين العزل وارتقاء الشهداء من النساء والأطفال وهدم البيوت سياسات عدوانية لم تزدنا إلا إصراراً وثقة، ومستوى ردّنا هذا اليوم تضاعف رداً على جرائم العدو ونعده بالمزيد». وأضاف في بيان أمس أنهم أعدّوا أنفسهم في عملية «العصف المأكول» (تسمية جديدة) «لمعركة طويلة جداً، وليس كما يقول قادة العدو لأسبوع أو عشرة أيام، بل لأسابيع طويلة جداً»، مستدركاً: «بعد أن بدأ العدو الحرب، فإنه لن يقرر موعد نهايتها ولا شروطها ولا شكلها».
هذا التصعيد في الخطاب جاء بعدما أكملت المقاومة قصف المدن المحتلة، وتبنّيها أمس إطلاق الصواريخ على غالبية مستوطنات غلاف غزة ومدن عسقلان وأسدود، وبئر السبع (النقب)، ومطار ريمون العسكري (75 كلم)، وبيت يام (جنوب تل أبيب). كذلك جددت قصف تل أبيب والقدس المحتلة، ومجموعة من القواعد العسكرية الإسرائيلية.
على الصعيد السياسي، أطلق رئيس السلطة محمود عباس مجموعة مواقف أمس، بالتزامن مع اتصالات جرت بينه وبين كل من وزير الخارجية الأميركي جون كيري ورئيس الوزراء التركي رجب طيب أوردوغان، لبحث تطورات الأوضاع في غزة والعدوان الإسرائيلي المستمر منذ أيام. وقال عباس، لدى استقباله وفوداً في مقر المقاطعة في رام الله، إنه يرفض من «أي طرف تقديم أي شروط للعودة إلى التهدئة، لأن الأهم هو حقن الدماء»، ذاكراً أن مصر أجرت اتصالات مع الجانبين (إسرائيل وحماس)، «لكن هذه الاتصالات، للأسف، فشلت». وأضاف أنه أجرى اتصالات مع الجانب الأميركي للطلب منهم أن يوقفوا العمليات العسكرية من جانب إسرائيل.
(الأخبار)