بعد أيام قليلة على تصاعد حدّة المعارك بين المقاومة الفلسطينية في غزة والاحتلال الإسرائيلي، بدأ الحديث في بعض الصحف الفرنسية والأميركية والبريطانية عمّا اعتبروه «مغطساً» دامياً أوقع الطرفان نفسيهما فيه من دون أن يريدا ذلك فعلياً. «هي الحرب المتكررة المضجرة والمتوقّع حدوثها» قال فيها البعض وهي «المأساة والعبثية» مجدداً حسب البعض الآخر، وهي «فرصة حماس لتستعيد وجودها وسط أزمة مالية سياسية وجودية تتخبّط فيها»، قال آخرون.
«غالباً ما تخرج الحرب عن سيطرة من يطلقونها. فللحرب ديناميكية خاصة قد تقود طرفاها إلى أبعد مما تمنيّاه في البداية. هكذا تولد المآسي»، تقول افتتاحية صحيفة «لو موند» الفرنسية قبل يومين. وبما أن رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو يتوعّد «بالمضي بالعملية العسكرية ما دام هناك صواريخ تسقط على مناطق إسرائيلية»، وبما أن «حماس» تقسم أن «تقصف إسرائيل ما دامت الأخيرة تضرب غزة»، رأت «لو موند» أن ما يجري يشبه لَعِب الأولاد. «لولا خطورة الأمر وفظاعته، لكان ذلك أشبه بتلك الاستراتيجيات التي توضع في ملعب المدرسة وقت الفرصة»، كتبت «لو موند» في اقتتاحيتها. «في الحقيقة، لا نتنياهو ولا حماس أرادا هذا المسار» المتصاعد للأحداث، تحسم «لو موند» وتضيف: «استسلم الطرفان للخطاب الذي تلا عمليات القتل من الجانبين ليجدا نفسيهما محشورين بضعفهما السياسي المتبادل».
فنتنياهو، حسب الصحيفة، يرزح تحت ضغوط اليمين الإسرائيلي المتطرف الذي يريد أن «ينهي حماس». ورئيس الوزراء يريد أن ينقذ وجوده السياسي، وهو لا يملك أي خطة بعيدة الأمد لكيفية التعامل مع الأزمة الفلسطينية. وفي المقلب الآخر، تبدو «حماس» مجرّدة من الدعم السياسي والمالي بعد خسارة الإخوان المسلمين في مصر ومجاهرة الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي بالعداء للإسلاميين، وأيضاً بعد أن خسرت الحركة دعم سوريا وإيران لها منذ انحيازها إلى المعارضة السورية. «عدا عن التكلفة الباهظة لحرب شاملة فإن غزة من دون حماس ستكون أشبه بالصومال وهذا ما لن تريده إسرائيل. كما أنه ليس من مصلحة قادة حماس أن تستمر الأحداث كما هي عليه الآن»، تشرح الصحيفة. لكن الطرفين يقفان على حافة «الحدث» الذي قد يقودهما بخطى ثابتة نحو الحرب، وهذا ما تصفه «لو موند» بالوضع «المأساوي العبثي».
هي العبثية ذاتها التي تعيدنا إلى «جولة أليمة أخرى من العنف»، يقول شمويل روزنر على موقع «سلايت». روزنر يلفت إلى أنه رغم «التغيرات الحاصلة بقي كل شيء كما هو» في ما خصّ جولات العنف بين الطرفين ومسبباتها ونتائجها. «ما تظن حماس أنها ستحققه يبقى لغزاً» يقول الكاتب ويشبّه الحركة الفلسطينية بـ«الولد المتذمّر الذي يفتعل عراكاً كلما كان بيده عصاً فيستفزّ الجار الكبير». ويضيف أن أهداف إسرائيل واضحة، وهي تريد إضعاف «حماس» عسكرياً، لذا، يشرح أنه في حال شنّ الجيش الإسرائيلي عملية برية فستكون من أولوياته استهداف مخازن الصواريخ التي تمتلكها «حماس». روزنر يذكّر بالسيناريو «المضجر» الذي يتكرر في كل جولة غزية ـ إسرائيلية وينتج منه سقوط ضحايا فلسطينيين أكثر بكثير من الإسرائيليين وهدنة تدوم سنتين بأقصى حدّ.
ذلك السيناريو «المتوقّع»، تحدّث عنه أيضاً الصحافي دايفد إغناتيوس في «ذي واشنطن بوست» الأميركية، الذي رأى أن ما يجري حالياً ليس سوى نتيجة مباشرة لفشل مفاوضات السلام بين الطرفين الفلسطيني والإسرائيلي برعاية أميركية. إغناتيوس ذكّر بكلام وزير الخارجية الأميركية جون كيري الذي حذّر منذ نهاية عام ٢٠١٣ من حرب قادمة أكيدة بين الفلسطينيين والإسرائيليين بعد فشل التوصل إلى تفاق.
«المروّع» حسب إغناتيوس هو «أننا شاهدنا تفاقم الأزمة ببطء بين الإسرائيليين والفلسطينيين. لم تفاجئ هذه الحرب أحداً، فقد توقّع الجميع حدوثها». الصحافي الأميركي يختم بسؤال سوداوي يوجهه لكيري عن إمكانية «أن يؤدي الوضع الحالي إلى نتيجة قاسية تقول إن عملية السلام برعاية الولايات المتحدة فشلت فشلاً ذريعاً لدرجة أنها قضت بالكامل على فكرة السعي الأميركي لتحقيق اتفاق بين الجانبين». هذا في النتائج المتشائمة، بمعظمها، مما ستؤول اليه الأمور بعد الجولة الحالية. أما عن أسباب شنّ هذه المعركة، فقد تكررت النظريات القائلة إن «حماس»، «ليس لديها ما تخسره» حالياً، وهي تتخبط في أزمة مالية بعد فشلها في الانخراط بحكومة وحدة وطنية مع «فتح» وبعد تراجع الدعم المالي من إيران وقطر.
المدوّن شاشانك جوشي على موقع صحيفة «ذي دايلي تلغراف» البريطانية أكّد تلك النظرية، لكنه لفت إلى أن «حماس ينقصها المال، لكن لا تنقصها الصواريخ»، إذ تملك ترسانة ضخمة منها. الا أن جوشي يشير إلى أن أي عملية عسكرية إسرائيلية ضخمة ستقضي على «مخزون الصواريخ القيّم» الذي تملكه «حماس». الكاتب يختم بالقول إنه «إذا لم يتدخّل أحد الآن لإيقاف تصاعد الأحداث فإن الفلسطينيين والإسرائيليين سيجدون أنفسهم في خضم حرب لم يريدوها فعلياً».