عمان | أثيرت أخيرا ضجة كبيرة في الأردن بعد الطلب من اللاجئين الفلسطينيين حملة الجوازات الأردنية المؤقتة التي تصدر بلا رقم وطني، استصدار تصاريح عمل. ومع أنه لا جديد في جوهر المعاناة الممتدة منذ عقود، كما يؤكد أصحاب الجوازات المؤقتة في مخيمات المملكة ومدنها، فإن مجموعة من الأخبار المتداولة عن تصاريح العمل وإلغاء إصدار «عدم الممانعة» (التأشيرة)، أعادت قصص معاناتهم إلى الواجهة.
"التمييز الغريب أو القدري" ضد اللاجئين، الذين كانت محطة هجرتهم قبل الأردن غزة، قديم ومستمر، ويعانيه اليوم أحفاد أولئك الأجداد، لكنّ مزيدا من التضييق كقضية تصريح العمل، كان يطبخ وفق مصادر مطلعة منذ عام 2005، أي في حكومة فيصل الفايز، وتكررت المحاولة في 2012، ولكن أجواء ما سمي الربيع العربي أخّرت المشروع. اليوم يظهر مجددا ذلك الجزء من النسيج الفلسطيني ــ الأردني، الذي يسعى إلى الانقلاب على العلاقة الثنائية، وإلغاء مفهوم التابعية الأردنية عن حملة الجوازات المؤقتة، فالجواز الأردني يعني التابعية التي تكفل لحامله العمل والإقامة والسفر والعودة والتعليم والصحة، من دون الحصول على تصريح.
وعمليا، كان حملة الجوازات المؤقتة، وخاصة الغزيين منهم، يطالبون على مدار سنوات، بحقوق عامة، مثل: زيادة مدة جواز السفر المؤقت من سنتين إلى خمس سنوات، والإعفاء الصحي، وإلغاء تصاريح العمل، وفتح المهن المغلقة أمامهم.
يقول عمر كلاب، وهو منسق حمْلة "حمَلة الجوازات المؤقتة ليسوا وافدين"، إنّ من حق اللاجئين الغزيين الحصول على حقوق مدنية غير منقوصة بوصفهم يحملون التابعية الأردنية، متسائلا عما يعنيه قرار إخضاعهم لقانون العمل مع حملة الجوازات المؤقتة من أبناء الضفة المحتلة (من لا يحصل على رقم وطني عمليا لا يحمل الجنسية الأردنية).
ويشرح كلاب، في حديث إلى "الأخبار"، أنه منذ أعوام تقام فعاليات فلسطينية ويلتقي أهالي المخيمات مع المسؤولين، لكن من دون جدوى، مضيفا: "لا يجوز للسلطات الأردنية التخلي عن أبناء الضفة التي سقطت بأيدي الاحتلال وهي تحت الولاية الأردنية... هل القرار هو تحويل 156 ألف غزاوي و640 ألفا من أبناء الضفة غير الحاملين للرقم الوطني إلى وافدين لا يملك الأردن القدرة على إعادتهم إلى مناطق السلطة؟!".
تحول النقاش من مشروعية القانون إلى نفي وتأكيد رفع الرسوم!


الجواز المؤقت يفقد معناه

عضو لجنة العمل النيابية، النائب رلى الحروب، قالت في حديث للصحافيين، إن المشكلة استجدت في أن "حملة جوازات السفر المؤقتة من أبناء غزة وغيرهم لم يكن مطلوبا منهم في السابق استخراج تصاريح عمل، مع أن هذا كان مطلوبا من حملة وثائق السفر الفلسطينية وعددهم لا يتجاوز بضعة آلاف".
أما الآن، فإن القرار الجديد يلزم هؤلاء استصدار تصاريح عمل، لتخرج الحكومة مستدركة الأمر بالقول إنها ستعفيهم من رسوم عام 2015، على أن يدفعوا رسوم 2016، فيما تحاول إخفاء حقيقة أن ما يجري أحد أسبابه نابع من منح جوازات مؤقتة للاجئين عراقيين وسوريين، وهو ما كانت تنكره سابقا.
وأضافت الحروب، عقب جلسة نيابية، أن جزءا صغيرا من حملة "الوثائق" (أقل شأنا من الجواز سواء المؤقت أو الدائم) كانوا يعملون في مهن مقيدة لدى وزارة العمل، وأيضا كانوا يعملون في القطاع الخاص، وبعضهم كان خاضعا لقانون الضمان الاجتماعي، ولكن "الضمان الاجتماعي طلب منهم، بناء على فتوى صادرة عن ديوان التشريع والرأي في 2012 الحصول على تصاريح عمل عن كل السنوات السابقة ودفع رسومها لوزارة العمل قبل إعطائهم مخصصات إنهاء الخدمة لدى الضمان".
وبذلك، فإن الفتوى الصادرة عن الديوان عدّت هؤلاء غير أردنيين، أي إنهم يخضعون لأحكام المادة 11 من قانون العمل التي توجب على غير الأردنيين الحصول على تصريح عمل، بل سيترتب غرامات وجزاءات على المخالفين، ما يعني أن حملة الوثائق الفلسطينية والجواز المؤقت باتوا بحكم الوافدين (الأجانب).
وتابعت الحروب: "هناك من يريد إعادتنا إلى النقطة الصفر. الأوْلى تأييد اقتراحي حول المادة 14 في القانون المعدل للإقامة والأجانب (المادة 30 في القانون الاصلي) بشمول إعفاء حملة وثائق السفر الفلسطينية من دفع رسوم أذونات الإقامة أسوة بباقي الرعايا العرب الذين ينتمون إلى دول تعامل الاردنيين بالمثل، فضلا على أن حملة وثائق السفر لا ينتمون إلى دولة، لأن دولتهم تحت الاحتلال)"، لكن اقتراح النائب الحروب، أهمله رئيس مجلس النواب عاطف الطراونة، الأمر الذي ضيع على أبناء قطاع غزة فرصة إعفائهم من رسوم أذونات الإقامة بموجب أحكام القانون.

"ديوان التشريع" فاقم المعاناة القديمة

أما فتوى "ديوان التشريع والرأي" ففاقمت معاناة الغزيين في المملكة، وصار مطلوبا من مجلس الوزراء استصدار قرار عنه في كل ما يتعلق بهذه الشريحة أكان الأمر كبيرا أم صغيرا، ما يعني أن هؤلاء سيظلون أسرى قرارات مجلس الوزراء بالإعفاء أو العكس.
ويقترح خبراء قانونيون حلا من اثنين: إما صدور قرار عن مجلس الوزراء بإعفاء جميع أبناء غزة (حملة الجوازات المؤقتة ووثائق السفر) من الحصول على تصاريح عمل، ومعاملتهم معاملة الأردنيين في ما يتعلق بفرص العمل في القطاع الخاص على الأقل (القطاع العام محصور بالأردنيين)، أو بتعديل نص المادة 11 من قانون العمل واستثناء جميع حملة الجوازات الأردنية والمقيمين الدائمين في المملكة من تطبيق أحكام هذه المادة.
ولعل الضجة المترافقة مع هذه القرارات مرتبطة بأعداد الغزيين الكبيرة في المملكة، ويقدر مدير دائرة الشؤون الفلسطينية، محمود العقرباوي، عدد الغزيين رسميا، ووفق سجلات "وكالة غوث وتشغيل اللاجئين ــ الأونروا" حتى نهاية 2015، بنحو 158 ألفا، من أصل مليوني و150 ألف لاجئ فلسطيني يقيمون على أراضي المملكة، فيما تقدر بعض الهيئات داخل المخيمات عدد حاملي الجوازات المؤقتة بنحو مليون شخص.
تقول الإعلامية والمتابعة لشؤون المخيمات نور أبو حميد، وهي تحمل الجواز المؤقت، إن أبناء غزة يعيشون في المملكة منذ عقود، والغالبية العظمى منهم ولدوا في الأردن، لذلك "لا يصح معاملتهم كالوافدين".
وتضيف أبو حميد: "نحن ممنوعون من العمل في القطاع الحكومي، ومحرومون مزاولة مهن عديدة كالطب والصيدلة والمحاماة، ولا فرص لنا في التعليم باستثناء مكرمة أوائل المخيمات، وممنوعون من التملك، إلى حد اضطر فيه أقربائي إلى تسجيل أملاكهم من بيوت وأراض وسيارات بأسماء أصدقاء لهم يحملون الأرقام الوطنية مع ما ينتج من ذلك من تضييع للحقوق".
مشكلة أخرى يطرحها الكاتب ماجد غانم، وهو لاجئ فلسطيني حصل لاحقا على جنسية كاملة، يقول: "ذهبت للعلاج في مستشفى جرش الحكومي، لفت نظري أحد المراجعين، ولاحظت أنه يبحث عمن يدله للحصول على تقرير طبي، فقال لي إن زوجته دخلت المستشفى للولادة ومكثت فيه يومين فقط، فيما يطالبه المستشفى بنحو 500 دينار (700 دولار)، فصرت أبحث عمن يتوسط لي للحصول على إعفاء". وسبب فرض هذه الرسوم على ذلك الشخص، كما يروي غانم، أنه من مخيم غزة، كما لفت الكاتب إلى أنه حتى في المدارس كان الغزيون يدفعون ثمن الكتب المدرسية لأنهم لا يحملون أرقاما وطنية!
وسط هذا الاحتقان، خرج سفير السلطة الفلسطينية لدى عمان، عطا الله خيري، ليثمن عبر الإعلام قرار الحكومة الأردنية إعفاء أبناء غزة من رسوم تصاريح العمل والإقامة، مضيفا أن الغزيين في المملكة لا يعانون أي تمييز.
لكن هذه التصريحات يرفضها الغزيون هنا، وخاصة من قابلناهم في جرش وعمان. ويذكر الكاتب غانم أن ثمة مقربين من السلطة يدعون أن "سوء وضع أبناء القطاع هو نتيجة مطلب سياسي صادر من السلطة في رام الله ومنعا لتوطينهم في الأردن". ويتساءل: "منذ متى كانت السلطة تعبأ بهذه الشريحة وماذا قدمت لهم غير بضعة مقاعد للدراسة في الجامعات"، داعيا رام الله إلى تحمل مسؤولياتها في حقوق الغزيين بالمعيشة والصحة والعمل والتعليم، وخاصة بعدما بدأت "الأونروا" تقليص خدماتها تدريجيا.

مستقبل القضية

يرى محللون كثيرون ومتابعون لقضية حق العودة، أن لا أفق في هذه المرحلة لحل قريب، وأن جميع الأطراف يعولون على تسويات كبرى تحقق مزيدا من المكاسب أو حتى تعويضات. وبانتظار ذلك سيدفع البسطاء من أبناء وأحفاد الآتين من "محطة غزة" الثمن بمعاناة يومية وبتكاليف إضافية، في بلد يجهدون في تحصيل القليل فيه.
ووسط تلميحات من بعض فعاليات شعبية بالاعتصام أمام مجلس النواب قريبا، قال رئيس "لجنة فلسطين النيابية"، النائب يحيى السعود، لـ"الأخبار"، إن قرارا حكوميا اتخذ بعد ضغط لجنته سيعفى بموجبه حملة الجواز المؤقت من إصدار تصريح العمل، وهذا قرار آخر غير قرار مجلس الوزراء الأسبوع الماضي الإعفاء من الرسوم المالية المترتبة على إصدار هذا التصريح.
يضيف السعود: "الحصول على مزيد من الحقوق المدنية يتطلب وقتا، ومزيدا من العمل لإزاحة التعقيدات أمام تعديل كل القوانين المتعلقة بذلك". وهو رأي أيده رئيس "دائرة الشؤون الفلسطينية"، محمود العقرباوي، الذي قال إن مطالب الغزيين قيد الدراسة لكنها تحتاج إلى تشريع خاص، قد يتطلب إقراره في المجلس النيابي المقبل.
في المقابل، نفى منسق حملة "حقوق أبناء غزة في الأردن"، أحمد عمرة، في حديث إلى "الأخبار" صحة الإعفاء الذي أكده السعود، مشيرا الى أنها خطوة لا تعدو نوعا من التخدير لوقف أي احتجاج أو تصعيد.
وكان وزير الداخلية الأردني، سلامة حماد، قد قال خلال نقاش مع النواب، إن أبناء غزة حاملي جوازات السفر المؤقتة لا يحتاجون إلى إذن إقامة، لأن "هذه الجوازات تسمح لهم بالدخول والخروج من وإلى المملكة والإقامة فيها، وفقا لقانون الإقامة وشؤون الأجانب النافذ". وأشار حماد إلى أن التعديلات الموجودة حاليا في مجلس الأمة لن تغير هذا الوضع، مضيفا أن موضوع تصاريح العمل للأجانب ينظمه قانون العمل ولا علاقة لقانون الإقامة وشؤون الأجانب بالقانون الأخير أو الإعفاء من رسومه.




الجنسية التي فرضت على أهلها!

يروي مؤرخون ومتابعون للشأن القانوني، أنه صدر بعد دخول الجيش الأردني إلى الضفة المحتلة (أيار 1948)، قرار جرى بموجبه "فرض" الجنسية الأردنية على أهالي المناطق التي كانت تحت سيطرة المملكة. ففي العشرين من كانون الأول 1949، صدر تعديل في المادة الثانية، ينص على أن "جميع المقيمين عادة عند نفاذ هذا القانون في شرق الأردن أو في المنطقه الغربية التي تديرها المملكة الأردنية الهاشمية (الضفة) ممن يحملون الجنسية الفلسطينية يعتبرون أنهم حازوا الجنسية الأردنية ويتمتعون بجميع ما للأردنيين من حقوق ويتحملون ما عليهم من واجبات".
وبمراجعة أعداد "جريدة فلسطين" خلال إصدار تعديل قانون الجنسية، لم تكن هناك أي إشارة إلى أن وجهاء أو رؤساء البلديات في الضفة أو بعضهم طلب من الحكومة الأردنية إكساء الفلسطينيين بالجنسية الأردنية. وفي حال غياب ما ينقض هذا القول، فإن النتيجة الحتمية للتعديل هي أنه "فرضت الجنسية الأردنية فرضاً على الفلسطينيين، وهو أمر مخالف للقانون الدولي العرفي الذي يؤكد حرية اختيار الجنسية"، كما أن الأثر القانوني المباشر لفرض الجنسية الأردنية على الفلسطينيين هو أنه جرى عملياً شطب الجنسية الفلسطينية التي نظمها القانون الصادر عام 1925.
بعد ذلك، وفي عام 1988 حينما فك الملك الراحل حسين، الارتباط مع الضفة، سحبت الجنسية من نحو مليوني فلسطيني هناك في ليلة واحدة، فيما بقيت مفروضة على من يقطن في المملكة (شرق النهر)، وكذلك جرى هذا الأمر بلا بلاغ رسمي ولا إصدار في الجريدة الرسمية.