تونس | بحسب مؤشر «مدركات الفساد» لعام 2015، احتلت تونس المرتبة 76 ضمن لائحة مؤلفة من 168 دولة، وذلك استناداً إلى تقرير أصدرته «منظمة الشفافية الدولية»، الأسبوع الماضي، في وقت تتعالى فيه الأصوات المنبهة من خطر تنامي هذه الآفة التي تنخر الاقتصاد التونسي، وتؤجج الاحتجاجات الاجتماعية في البلاد.
وتراجعت تونس بثلاث مراتب مقارنة بـ2014، إذ كانت في المرتبة 79. ورأى المدير التنفيذي لمنظمة «أنا يقظ»، مهاب القروي، في تصريح إلى «الأخبار» أن هذا التراجع «كارثياً ولم يسبق له مثيل بعد الثورة التونسية».
بدوره، أقرّ رئيس الحكومة التونسية، الحبيب الصيد، بالفساد المتنامي. وقال في جلسة حوار الحكومة مع البرلمان، تعليقاً على التقرير، «إن الفساد المالي والإداري يعدّ معضلة في البلاد، سيما بعد 2011».
أما النائب المعارض هيكل بلقاسم فرأى، في تصريحٍ إلى «الأخبار»، أنه «لا مجال للحديث عن تحول ديمقراطي حقيقي في البلاد من دون شنّ حرب شاملة ومعلنة على آفة الفساد»، مشيراً إلى أن «قضايا التنمية والتشغيل وعودة الاستثمار والسلم الاجتماعي، لن تشهد تقدماً قيد أنملة، إذا تواصلت ظاهرة تفشي الإرهاب».
يتصدر قطاعا الصحة والأمن قائمة القطاعات المنتشرة فيها الرشوة

وطوال الأسبوعين الماضيين، شهد معظم أنحاء البلاد تظاهرات شبابية مطالبةً الحكومة بالتشغيل وتنمية المناطق المعوزة. ورُفعت شعارات عديدة حول انتشار الفساد، تدعو إلى محاسبة المسؤولين المحليين الذين «عطّلوا قطار التنمية، وحرموا آلاف الشبّان من الوظائف، نتيجة المحسوبيات والمصالح».
وقدّم المعهد الوطني للإحصاء (مؤسسة حكومية)، نهاية 2015، نتيجة إحصاء لـ«نظرة المواطن إلى الأمن والحريات والحكومة» في تونس، كاشفاً أن قطاعي الصحة والأمن يتصدران قائمة القطاعات التي تنتشر فيها الرشوة، يليهما قطاع العدل. وحذّر الإحصاء من أن هناك اعتقاداً راسخاً لدى المواطنين بتفشي ظاهرة الفساد والرشوة، على المستوى المحلي، في معظم القطاعات، وأن مواطناً واحداً، على الأقل، من أصل اثنين (أي 50 في المئة)، أقرّ بوجود الظاهرة في معظم مؤسسات الدولة. وعن مدى فاعلية جهود الدولة لمكافحة الفساد، يرى 70% من المواطنين أنها بلا جدوى، فيما يرى 29% أن الجهود ذات فاعلية.
وعلى خطٍّ موازٍ، أكّد المسؤولون في منظمة «أنا يقظ»، في مؤتمر صحافي، أن الوعود التي تقدمت بها الأحزاب السياسية قبيل الانتخابات التشريعية 2014، والمتعلقة بمكافحة الفساد وتعزيز مقومات الحكومة الرشيدة والشفافية، لم يتحقق منها شيء، وبقيت حبراً على ورق. وعزت المنظمة التراجع في مؤشرات الشفافية إلى تقديم الحكومة لمشروع قانون يتعلق بالمصالحة الاقتصادية والمالية مع رجال أعمال استفادوا من النظام السابق، معتبرة أنها «خطوة إلى الوراء في مسار مكافحة الفساد».
واستعرض المسؤولون في منظمة «أنا يقظ» جملة من الحلول لمقاومة الفساد، منها توافر الإرادة السياسية الجادة لمكافحة هذه الظاهرة، من خلال انتهاج الشفافية وإشراك المجتمع المدني، وخلق الإطار التشريعي للهيئة الدستورية لمكافحة الفساد والحكومة الرشيدة. ودعوا إلى سحب مشروع قانون المصالحة الاقتصادية والمالية، «المؤسّس لثقافة الإفلات من العقاب»، وإلى حماية نشطاء مكافحة الفساد، والعمل على صياغة استراتيجية وطنية لمحاربة الفساد، تشارك فيها جميع الأطراف الوطنية الفاعلة في المجال، من دون تدخل خارجي، والالتزام بتطبيقها.
ويذكر، في السياق، أن الدستور التونسي الجديد الذي دخل حيّز التنفيذ في 2014، أقرّ بوجود هيئة مستقلة لمكافحة الفساد، غير أنها ظلت مهمّشة، ولم تحظ باهتمام صناع القرار في الحكومات المتعاقبة.