بغداد ـ عدنان أبو زيد إن لم يحصل ما يعرقل جلسة البرلمان العراقي اليوم، فمن المفترض أن يدخل نائب الأمين العام للحزب الإسلامي، سليم الجبوري، اليوم نادي الرؤساء مع انتخابه رئيساً للبرلمان العراقي.
الجبوري على عكس سلفه الرئيس «السابق» أسامة النجيفي، مثير للجدل والجدال، فما انفكّ يفصح عن أجندة وسطية، واعداً الوسط النخبوي والشعبي، «الشيعي والسنّي، العربي والكردي»، على حد سواء بتفكيك الأزمة، وإحلال الاعتدال محل التزمّت والإفراط، وهو ما فسره البعض بمحاولة الجبوري السعي إلى تعرية سلفه النجيفي الذي عرف بتطرفه وتماديه، ليس بوجه المكونات الأخرى من خارج ائتلافه، بل نحو اتحاد القوى السنية الذي ينتمي إليه أيضاً، ولا سيما أنه لم يعد خافياً أن النجيفي قد قُضَّ مضجعه من الجبوري، باذلاً جهوداً مضنية للحيلولة دون وصول هذا «السياسي الثانويّ»، بتعبير الخصوم، إلى البرلمان، لكن التصويت حال دون ذلك.

ينظر العراقيون إلى الجبوري بعين الأمل والرجاء، في أن يكون عهد رئاسته للبرلمان خالياً من التجاذبات السياسية، وأن يتمكن بسلوكه السياسي القويم إلى الآن من إبطال تأثير التكتلات «الطائفية» على القرارات داخل قبة البرلمان، تمهيداً للشروع في «مصالحة وطنية».
عديد من العراقيين يتوسم في الجبوري خيراً، باعتباره بروزاً لجيل من زعماء شباب، يمتازون بالحيوية والخبرة إضافة إلى الكفاءة، باعتباره يحمل شهادة الدكتوراه في القانون.
يبقى للأكراد موقفهم الخاص من الجبوري. ينظرون اليه بعين الحذر والاحتراس، لمواقفه «العنصرية» تجاههم، بحسب النائب المنتمي إلى «كتلة التغيير» محمد كياني، الذي يرى أن مواقف الجبوري العدائية تجاه الأكراد لا تؤهله لرئاسة البرلمان. بالمقابل، تقف الجبهة التركمانية على النقيض، وتبدي حماسة كبيرة لتولي الجبوري منصب رئاسة البرلمان.
لقد أدى حدس الجبوري وتنجيمه السياسي، إلى إعلانه في 23 حزيران الماضي، تسليم نفسه للقضاء العراقي بناءً على دعوى قضائية مرفوعة ضده، بعد اتهامه بمساعدة عضو ‏مجلس محافظة بغداد المنتمي إلى تنظيم «القاعدة» العام 2005، عبر نقله إلى «جهة محايدة»، لكن الجبوري أظهر زيف ذلك بإبرازه قتل «القاعدة» لعدد من أفراد أسرته، ومحاولة اغتياله.
ولد الجبوري في قضاء المقدادية في محافظة ديالى عام 1971، ويحمل الدكتوراه في القانون عن اطروحته «حماية معلومات شبكة الإنترنت، دراسة قانونية»، وله تنظيرات في حركات «الإسلام السياسي».
الجبوري سيظلّ
محكوماً بالتوازنات الطائفية والمنافع السياسية للأطراف في البرلمان
وقبل دخوله المعترك السياسي، عمل مدرساً في كلية الحقوق في جامعتي «النهرين» و«ديالى»، وشغل منصب مدير «مفوضية الانتخابات المستقلة» في ديالى لفترة قصيرة.
وباعتباره أحد قياديي «الحزب الاسلامي العراقي»، ترأس قائمة «ديالى هويتنا» الانتخابية، ليفوز بعضوية البرلمان في انتخابات 2010، وشغل خلال الدورة النيابية السابقة (2010- 2014)، منصب رئيس لجنة حقوق الإنسان النيابية. وكاد قانون «اجتثاث البعث» أن يبعده نهائياً عن الحياة السياسية، لولا استثناء «المحكمة الاتحادية» له من الاجتثاث أثناء التصديق على نتائج الانتخابات عام 2014.
وعدا مهنيّة الجبوري وأكاديميته ووسطيته، التي جعلت منه «مقبولاً» من أغلب أطراف العملية السياسية بشقيها السني والشيعي، مع «حذر» كردي، فإن اختيار أي مسؤول في منصب «حساس» في العراق، كرئاسة البرلمان، يقود بالضرورة إلى تكهن تأثير الأطراف الإقليمية على عملية الانتقاء، وفي حالة الجبوري لا يبدو أن هناك اعتراضاً إقليمياً على اختياره، ولا سيما أن الرجل معروف على المستوى المحلي أكثر منه إقليمياً، بحكم مناصبه السابقة التي لا تتيح له التماس مع نشاطات خارج البلاد. وعلى عكس النجيفي الذي زار قطر والسعودية وإيران وتركيا، وبنى علاقات جيدة مع هذه الدول، عُرف عن الجبوري اهتمامه بالشأن الداخلي، عدا تصريحات معدودة ذات أبعاد إقليمية، لا يمكن التعويل عليها في تفسير علاقاته مع الدول المجاورة. من أبرز مواقفه على المستوى الإقليمي، توجيهه في عام 2011 اتهاماً لإيران بقطع المياه عن نهر ديالى، فيما سارت أخبار «غير مؤكدة» في الوسط الاعلامي، عن لقاء جمعه في آذار الماضي برئيس جهاز المخابرات السعودي فهد المصباح، في فندق «إنترناشيونال» في العاصمة البلجيكية بروكسل على هامش مشاركته في مؤتمر عن «حقوق الإنسان في العراق».
نجح الجبوري عبر مسيرته البرلمانية في رسم ملامح «كاريزما» سياسية، تستند إلى «امتصاص» المشاحنات والاتهامات، فلم يردّ على ما ناله من سهام التجريح، ساعياً إلى الظهور كنائب وطني في ظل جو ملبّد بالغيوم الطائفية، ما جعله يتمتع برضى أغلب الأطراف.
لقد أضاف الجبوري إلى نقاط قوته رصيداً جديداً من التصريحات الإيجابية خلال محادثاته مع أكثر من طرف سياسي، عكست ما في جعبته من رسائل الطمأنة إلى كل الشركاء، في سعيه إلى أن يكون رئيساً للبرلمان يحظى برضى الجميع.
وعلى الرغم من أن الجبوري سيظلّ محكوماً بالتوازنات الطائفية، والمنافع السياسية للأطراف في البرلمان، سيكون أمام الرجل «الأفندي» المظهر، «الإسلاموي» الجوهر، تحقيق ما وعد به أعضاء ائتلافه، في الإصرار على تحقيق مطالب «المكون السني»، ويجب عليه الإيفاء بوعوده لأطراف سياسية من خارج ائتلافه، بالوقوف على مسافة واحدة من الجميع.
واذا كانت اطراف العملية السياسية العراقية قد بدأت عهدها مع الرئيس السابق للبرلمان اسامة النجيفي، بعلاقات تفاهم وتناغُم، وثقة، آلت إلى «شكوك» و«تخوين» مُتبادلين، فإن على الجبوري، استنباط العبرة من ذلك، وأن يكشر عن مرونة لا تجعل منه أُلعوبة بيد الأهواء السياسية، وفي ذات الوقت أن لا يكون صلداً، فتنكسر عنده مفاتيح الحلول الوسطية.