حيفا | مع استمرار الحرب على غزة، وتواصل الاحتجاج داخل الـ48، تعمل الأحزاب العربية على إصدار خطابات تتماهى مع نبض الشارع، لكنها تسعى إلى إبقاء التحرك تحت سقف المسموح به إسرائيليا، ما يجعل أداءها السياسي مرتبكا في ظروف سياسية وأمنية بالغة التعقيد تتعدد آراء الفلسطينيين في الأراضي المحتلة عام 1948 بشأن أداء نواب الكنيست العرب خلال الهبة الشعبية الأخيرة، وصولا إلى الحرب الجارية على غزة. ومع أن معظم قادة الأحزاب وأعضاء الكنيست سرعان ما تداركوا المشهد وأعلنوا مواقف صريحة ضد العدوان المفتوح على غزة، فإن نبض الشارع لا يزال سبّاقا في الاحتجاج ورفض ما تفعله إسرائيل.
وبينما يرى بعضهم أن خطاب «أحزاب الكنيست» يستمد شرعيته الجماهيرية من الحديث بلا كلل عن الاحتلال والحق الفلسطيني والصمود ورفض التهجير، وما شابه، فإن شقا كبيرا بدأ يجنح إلى أن الخطاب، على صدوره متأخرا عن الهبة الشعبية ومتزامنا مع الحرب، ينطلق من سقف خطاب اليسار الإسرائيلي، وهو لا يزيد قوة عن خطاب السلطة الفلسطينية أو منظمة التحرير في مرحلة ما بعد أوسلو.
في بداية الهبة الشعبية الأخيرة في أراضي الـ48، تزامنا مع ما جرى في القدس المحتلة، لم تتخذ الأحزاب الفلسطينية موقفا واضحا، لكنها عادت وعدلت خطابها ليتناسب مع نبض الشارع. ومن ذلك تصريح للنائب عن الجبهة والحزب الشيوعي محمد بركة، استنكر فيه العدوان على غزة بعبارات قاسية، وقال بركة: «إسرائيل لا تدافع عن نفسها، بل عن احتلالها»، مضيفا: «يجب التدقيق في ادعاء الإسرائيليين بأنهم لا يريدون إقحام المدنيين في الحرب، في حينما الحصار عمل عدواني عليهم». وتابع النائب: «إسرائيل تحاول الآن خلط الأوراق من جديد، ولا يتوقف عدوانها على غزة، بل أيضا على الضفة والمواطنين العرب في إسرائيل».
وسجل في السياق طرد النائبين عن الحركة الإسلامية، إبراهيم صرصور ومسعود غنايم، من جلسة في الكنيست لوصفهما جيش الاحتلال بـ«قاتل الأطفال»، كما رد النائب أحمد الطيبي خلال الجلسة نفسها على نواب اليمين الإسرائيلي الذين حاولوا مقاطعته وهو يقرأ أسماء الشهداء الفلسطينيين. وصرخ على إحدى النائبات قائلا: «عندما أقرأ أسماء شهداء اسكتي وسدي فمك.. اخجلوا مما تفعلون... هؤلاء أصدقاؤك الذين يطلقون الصواريخ على عائلة كاملة أرادوا صاحب البيت وعرفوا أن هناك أطفالا ونساء، فانظروا إلى الصور الفظيعة... إخوانك قتلوهم بالصواريخ».
وأضاف الطيبي: «جيش الاحتلال ينفذ جرائم حرب... حسبي الله ونعم الوكيل عليكم». بعد ذلك أعلن قائلا إنه «لا يشرفني البقاء في هذه القاعة بعد إخراجكم زميلَيّ صرصور وغنايم». فأمر رئيس الجلسة، موشيه فيغلين، بإبعاد الطيبي من الجلسة.
مع تقدير الشارع لهذه المواقف، لا يزال كثيرون يرون أنها دون المستوى المطلوب. يقول الناشط علي خوالد لـ«الأخبار»: «أدوات السيد لا تهدم بيت السيد». ويضيف: «في ظل هذا التصعيد من المؤسسة الإسرائيلية ضد شعبنا فعلت الهبة الشعبية أكثر مما فعلته الخطابات الرنانة لأعضاء الكنيست، الذين وصف بعضهم الهبة في بدايتها بالتخريب، بل عمد رؤساء بلديات وأحزاب إلى إخمادها».
على المنوال نفسه، يرى الطالب في جامعة حيفا، معاذ أبو ارشيد، أن الأحداث الأخيرة كشفت عن فجوة بين الشعب والقيادات. ويقول لـ«الأخبار»: «ظهرت الفجوة جليا عندما شكلنا حراكا من أجل الأسرى قبل الهبة الشعبية، وحل هذا الحراك مكان القيادات المغيبة عن نبض الشارع الحقيقي». وأضاف: «ليعلم النواب أن مشكلتنا ليست مع سياسات الاحتلال، بل مع الاحتلال نفسه».
تفسيرا لذلك يقدر مراقبون أن هذه الأحزاب في بنيتها غير مهيأة لتحمل خطابا وطنيا حقيقيا، فهي لا تكاد تستطيع تنفيذ دور خدماتي ضمن مطالب محددة.
كذلك، يقول الصحافي، سليم سلامة، من الجليل الأعلى: «الهبة الشعبية كانت نتيجة غضب متراكم منذ عقود»، مكملا لـ«الأخبار»: «انفجار الغضب ليس بقيادة الهيئات والأحزاب التي تدعي القيادة، بل رغما عنها».
على طرف مقابل، لا تعارض المحامية، صفاء عبده، من حيفا، الخط السياسي للأحزاب عموما، لكنها تعتقد أن «أداء الأحزاب وقادتها خلال الأحداث الأخيرة كان دون المستوى المطلوب». وتقول لـ«الأخبار»: «حاول أعضاء الكنيست ومعهم لجنة المتابعة انتهاج خطاب يتماهى مع خطاب الشارع، فاعتمدوا الحذر في تصريحاتهم، ودعوا إلى تظاهرة قطرية في الناصرة، لكن رئيس بلدية الناصرة رفض، فأقيمت التظاهرة في كفر مندا وسط حضور شعبي أقل من المتوقع».