دمشق | لم يكن رمضان كريماً هذا العام على السوريين. فبدايته ترافقت مع انقطاع كبير في التيار الكهربائي وارتفاع أكثر في الأسعار، ليكتمل المشهد مع رفع أسعار الخبز، ومن ثم الأسعار التموينية للأرز والسكر. اليوم لم يعد يكفي الموظف دخله لشراء حاجات البيت الأساسية، لذلك سيكون البديل وفق ما يقول سامر، الموظف الحكومي، «بإيقاف شراء بعض الحاجيات وتقليل الكمية». ويوضح أنّ كلمة «إيقاف لا تقتصر على الدجاج أو اللحمة وحدها، بل على أنواع من الخضر والفواكه، والأخيرة بشكل خاص لأنها باتت بالنسبة إلى العائلات الكبيرة بمثابة الحلم».

وكانت وزارة التجارة الداخلية قد رفعت أسعار ربطة الخبز من 15 إلى 25 ليرة سورية منذ حوالى الأسبوع، ثم ألحقتها برفع أسعار الأرز والسكر من 25 إلى 50 ليرة، رغم نفيها المستمر لما تردّد عن مثل هذه الزيادات.
ويبرّر خبير اقتصادي هذا الرفع بأن الحكومة لجأت إليه «بسبب ارتفاع قيمة الدعم التي تتكبدها، والتي تبلغ 111 مليار ليرة سنوياً في مجال الخبز وحده»، مشيراً إلى أنّ «هذه الزيادة لا تمثل أكثر من 2% من موازنة الأسرة السورية، لكنها تحقق وفراً للدولة، والأمر ذاته ينطبق على كل من الأرز والسكر. فبرفع سعريهما سيتحقق عائد جيد للدولة».
ويوضح الخبير أن «الأسعار الجديدة تبقى أقل من أسعار التكلفة، وأن الدعم ما زال موجوداً»، إذ إن تكلفة ربطة الخبز تصل إلى أكثر من مئة ليرة. ويشير أحد المسؤولين في وزارة التجارة إلى أن «الزيادة جاءت بسبب تحمل الدولة أعباءً كبيرة في الإنتاج ومعاناتها من الهدر، وفي الوقت ذاته معاناتها من زيادة أسعار المواد الأولية وتأهيل الآلات».


بلغ الدعم العام
الماضي 60 مليار ليرة
في حين بلغ هذا
العام 111 ملياراً

وينفي المصدر نفسه أن تكون هذه الخطوات «بداية لسحب دعم الدولة بشكل نهائي»، مؤكداً أن «الدولة حريصة على أن تبقى المادة مدعومة، ولكن المصاريف المستمرة وزيادتها دفعت الدولة إلى الإقدام على هذه الخطوة». كذلك ينفي أيضاً «وجود زيادات جديدة»، إذ كلما «ارتفع سعر مادة انتشرت الشائعات حول المواد الأخرى».
ورداً على هذه النقطة، يوضح الخبير أنه «في الأصل ضد فكرة الدعم بشكل كبير ومباشر يوزع على الجميع باختلاف الدخول التي يتقاضونها»، مؤيّداً «إعادة هيكلة الدعم والرفع التدريجي له، مع ضرورة الأخذ في الاعتبار وضع الطبقات المتوسطة والفقيرة وتقديم الحلول لهم». كذلك بيّن أن «حجم الدعم يبلغ 63% من حجم موازنة الدولة». وبلغ الدعم العام الماضي 60 مليار ليرة، في حين بلغ هذا العام 111 ملياراً.
ورغم ميله إلى رفع الدعم، يؤكد الخبير الاقتصادي أن «التوقيت سيؤدي إلى أضرار اجتماعية، خاصة أن هناك عائلات لا تملك حتى الحدّ الأدنى من الدخل الذي تستطيع التصرف به»، مضيفاً أنه «يجب على الحكومة أن تجد بدائل متاحة للأسر الفقيرة التي يمكن ألا تحصل على هذه المواد الأساسية، من خلال منحهم معونة اجتماعية».
الكل يتخوف اليوم من زيادة جديدة في الأسعار، وإن كانت الجهات الحكومية تؤكد أنه لا يوجد زيادة قريبة أو على الأقل لن تطرح أي زيادة قبل العيد. وكلام هذه الجهات لم يعد يطمئن الناس، خاصة أنها سبق أن أكدت أن الخبز خط أحمر، وتراجعت عن تصريحاتها، كما سبق وذكرت أنها لن ترفع أسعار المواد التموينية الأساسية.
ويشير أحمد، وهو رب أسرة، إلى أنهم «تلقوا زيادة أسعار الخبز بصعوبة، في وقت يعاني فيه الكثير من السوريين من تراجع في مداخيلهم وانخفاض في القيمة الشرائية لعملتهم». ويتابع أنهم «لم يستفيقوا من هذه الصدمة حتى جاءتهم صدمة السكر والأرز، إضافة إلى ارتفاع كبير في الأسعار وصلت معه قيمة الخضر والفواكه إلى أرقام غير مقبولة ولا تتناسب مع دخل المواطن».
من جهته، يوضح بشار، وهو صحافي متخصص في الشأن الاقتصادي، أنّ «صدمة الأرز والسكر لم يلمسها بعد المواطن، لأن الغالبية اشترت قسائم السكر لمدة تكفيهم لحوالى ستة أشهر، إضافة إلى قسائم عن ثلاثة أشهر تم طرحها على المواطنين بدلاً من قسائم البرغل والشاي التي سبق أن تحدثت عنها الحكومة ثم تراجعت عن هذه الخطوة».
ويتابع أنه رغم «عدم وجود التأثير المالي المباشر، لكن الأثر النفسي كبير، فالناس فقدوا الثقة بالحكومة ولم يعد كلامها صادق بالنسبة إليهم، وهم يخافون من زيادات جديدة خاصة مع انتشار شائعات طالت المحروقات». ويضيف أن «الدولة قدمت الكثير من المبررات، لكنها تبريرات غير منطقية، إذ لا يمكن مواجهة أزمة ما بخلق أزمة أخرى».
أما سائق التاكسي حسام، فيرى أن «الحكومة حاولت تغطية الزيادة الجديدة بطرح شائعة زيادة الرواتب، ولكن هذا الحل لن يشمل جميع الناس، باعتبار أن نسبة كبيرة هم خارج إطار الوظائف ولن يستفيدوا بشيء».