في المقابل، ينتقد مصطفى قره علي أوغلو، في مقالة بعنوان «سياسة صفر»، مواقف إردوغان من الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي، وتوظيفها في السياسات الداخلية، إذ إن «تطبيع العلاقات مع مصر، كما مع الإمارات والسعودية وإسرائيل، هدفه توظيفها في السياسات الداخلية. والآن يُراد الشيء نفسه مع سوريا». والمسألة، بحسبه، ليست في أن «اليوم هو غير الأمس»، بل في أنه ليست لتركيا سياسة خارجية واضحة ومحدَّدة. فـ«العلاقة الجيّدة مع دولة ما، لم يَعُد واضحاً معناها»، على حدّ تعبير قره علي أوغلو، الذي يرى أنه «يمكن إقامة علاقات جيّدة قائمة على الثقة مع دولة مثل أذربيجان، ولكن ليس مع قطر وروسيا.»، لافتاً إلى أن «أخطاء السياسة الخارجية تجعل تركيا تخسر في ملفّات اليونان وقبرص وسوريا وشرق المتوسط». من هنا، فإن «المصافحة من دون هدف ليست سياسة ولا تعني أنّنا نسير إلى الأمام. نحن نحتاج إلى تحديد أهدافنا، وإلّا فبعد أيام نخرج ونقول: أحنَيْنا رأسنا وتراجعنا خطوتَين إلى الوراء وتصالحنا. وما الضير في ذلك؟».
استراتيجية الأمن القومي التركية هي نسخة عن استراتيجية أميركا بعد أحداث 11 أيلول
من جهته، يقول مراد يتكين إن إردوغان رسم استراتيجية أمن جديدة لتركيا تتمثَّل في مواجهة التهديدات خارج الحدود، وتدميرها. وهي استراتيجية بدأت، وفق الكاتب، «بعد محاولة الانقلاب في 15 تموز 2016، وبعدها بدأت عمليات درع الفرات وغصن الزيتون ونبع السلام». أمّا مؤشّرات تزايُد العمليات العسكرية خلف الحدود، فكانت مع بدء تركيا، منذ عام 2016، بناء جدار باطون وأسلاك شائكة على الحدود مع سوريا. مع هذا، «تغيّرت الهرميّة العسكرية، وأصبح قادة القوات المسلّحة تابعين لوزير الدفاع وليس لرئيس الأركان، وهذا كان أمراً مهمّاً بعدما كان هيكل الجيش شبه مستقلّ منذ انقلاب 1961». ويرى يتكين أن «نقطة البداية في افتراق تركيا عن الولايات المتحدة، كانت معركة كوباني 2014، وتفضيل أميركا الأكراد على تركيا». ويسرد يتكين بعض محطّات الخلاف مع واشنطن، بالقول إن «دونالد ترامب استبعد تركيا من مشروع طائرات «إف-35»، وبدأ يضغط على الليرة التركية». لهذا، فإن «استراتيجية الأمن القومي الجديدة لإردوغان بتدمير العدو خارج تركيا، هي نسخة عن استراتيجية الولايات المتحدة بعد أحداث 11 أيلول 2011. فأميركا تبني جداراً مع المكسيك وتركيا تبني آخر مع سوريا».
وفي «ميللييات»، يتساءل تونجا بينغين عمَّا إن كانت أميركا عدوّاً لتركيا أم لا، قائلاً إن «أنقرة تقاتل في سوريا ضدّ واشنطن وموسكو، ومن دون الأخيرتَين لا يمكن القيام بعملية عسكرية». ويضيف أن تركيا «تتّبع ديبلوماسية الصبر، فلو كانت روسيا وأميركا نفّذَتا اتفاقاتهما معها، لما كان هناك مسلّحون أكراد في شمال سوريا». ويرى بينغين أن «ادّعاء الولايات المتحدة أنها تقاتل ضدّ داعش، هراء أو غطرسة. فهي التي تَستخدم داعش لتغيير خرائط المنطقة، ولفتح مساحة إرهابية لمقاتلي حزب العمال الكردستاني». ويقول إن «العملية العسكرية التركية قائمة، وهي مسألة وقت. إنها مسألة حياة أو موت بالنسبة إلى تركيا، لذا عليها أن تعمل على السيطرة بشكل نهائي على المنطقة من إدلب إلى حاقورق على الحدود الإيرانية».
ويشكّك أورخان بورصه لي، في «جمهورييات»، في رغبة إردوغان المصالحة مع السيسي والأسد، للأسباب التالية:
- «أسّس إردوغان الجيش السوري الحر لتدمير الأسد، لكنه لم ينجح. فلجأ إلى تأسيس الجيش الوطني التركي. تصوّروا أن سوريا قامت بفعل ذلك في تركيا...
- يسيطر إردوغان تقريباً على كامل الشريط الحدودي مع سوريا، بعمق يبلغ بين 15 إلى 30 كيلومتراً، حيث تنتشر جماعات مسلّحة معادية للحكومة السورية. سيقول إردوغان للأسد: إنّني أدافع عن وحدة سوريا. هل هذا معقول؟ لنفترض أن الأسد قال له: تعال لنتعاون ضدّ الأكراد والجماعات المسلّحة، ولِيَنْسحب الجيش التركي من سوريا، فهل سيتجاوب أم سيقول إنه يجب منْح الأراضي، حيث الجيش الوطني، حكماً ذاتيّاً؟ هل يمكن تصديق أن إردوغان سيَسْحب جيشه من سوريا، وفي هذه الظروف؟
- إردوغان لا يريد لقاء الأسد، وإلّا لِمَ تأجيل اللقاء إلى ما بعد الانتخابات؟هذا يعني المزيد من التصعيد وبناء المستوطنات في سوريا الخاضعة لـ«الوطني» وللجيش التركي.
- مثل هذه السياسة التركية تساعد الولايات المتحدة على تفكيك سوريا. وربّما هذا هو المطلوب».