الحسكة | في كلِّ مرّة تَرفع فيها تركيا سقْف تهديداتها باحتلال مساحات إضافية من مناطق سيطرة «قسد»، تلجأ الأخيرة إلى طلب الحماية من حليفها الأميركي، واضعةً طرْق أبواب الجانبَين الروسي والسوري في آخر سُلّم خياراتها، لإدراكها أن التوجّه نحوهما يعني تقديم تنازلات ليست مستعدّة بعد لإمضائها. ولم تخرج إلى الآن أيّ معطيات حول نجاح الوساطة التي قادها السفير الأميركي في أنقرة، جيف فليك، مع وزير الدفاع التركي، خلوصي أكار، في ظلّ رفْض «قسد» جميع الشروط التركية لإلغاء العمل البرّي، وتعويلها على قيام الولايات المتحدة، بتهديد تركيا بفرض عقوبات عليها، وهو ما طلبه بوضوح القائد العام لـ«قسد»، مظلوم عبدي، في مؤتمر صحافي عبر «زوم»، في مقابل تكراره الحديث عن «التطلّع إلى التنسيق مع الجيش السوري، لصدّ الهجوم إنْ حصل»، من دون إظهار أيّ جدّية في هذا المجال. كذلك، تُواصل «قسد» إطلاق تحذيراتها من فقدان السيطرة على المخيّمات والسجون التي تؤوي عناصر «داعش» وعائلاتهم، بما يتيح للأخير استعادة جزء من حضوره في المنطقة، وهو ما تتخوّف منه واشنطن أيضاً، ولا تريد حدوثه فعلاً، على رغم إدراكها أن التلويح به لا يزال مجرّد ورقة بيد «قسد»، يَصعب استخدامها لانعكاسها بالدرجة الأولى على الأمن في مناطق سيطرة الولايات المتحدة. في المقابل، وبعدما بدا أن «مؤتمر أستانا» الأخير مَنح روسيا فُرصة جديدة لإقناع «قسد» بإخلاء الحدود، بوصْف ذلك تسوية مقبولةً من الجميع بمَن فيهم الأتراك، فقد بدأت القاعدة الروسية في القامشلي لقاءاتها مع قيادات من «قسد» و«وحدات حماية الشعب» الكردية، منذ اليوم الأول لعملية «المخلب السيف» الجوّية التركية، لبحث إمكانية تطبيق كامل «اتفاق سوتشي». وفي هذا الإطار، وصل قائد القوات الروسية في سوريا، ألكسندر تشايكو، إلى محافظة الحسكة أوّل من أمس، حيث التقى قائد «قسد»، مظلوم عبدي. وبحسب مصادر مطّلعة تحدّثت إلى «الأخبار»، فإن «تشايكو الذي وصل إلى مطار القامشلي بطائرة مدنية تُرافقها طائرة حربية، ثمّ تَوجّه إلى أطراف مدينة الحسكة للقاء عبدي وقيادات أخرى في قسد، أعاد طرْح فكرة الانسحاب من كامل الشريط الحدودي الشمالي بعمق 30كم، بما يشمل قوات الأسايش، وتسليم هذه المناطق للجيش السوري أو قوات الفيلق الخامس، مع إدخال مؤسّسات الدولة إليها لإدارتها». لكنّ المصادر أفادت بأن «قسد رفضت هذا الطلب، وتمسّكت بإبقاء الأسايش والإدارة الذاتية في أماكنها لكونها مؤسّسات مدنية»، موضحةً أن «قسد ترى أن الإجراءات المقترَحة ستُنهي وجودها بكلّ مؤسّساتها العسكرية والمدنية في مدن الشريط الحدودي، وهو ما لا يمكن أن تَقبل به».
والواضح أن المطالب التي نقلها تشايكو إلى عبدي، قريبة من تلك التي حمّلها أكار لفليك، وتَركّزت أيضاً على إخلاء الحدود، وإخراج «حزب العمال الكردستاني» من سوريا، وتسليم قياداته لتركيا، مع وضْع نقاط مراقبة تركية مستقلّة ضمن منطقة الـ30كم أو مشتركة مع «التحالف الدولي»، وتخصيص حصّة من عائدات النفط لصالح مناطق السيطرة التركية. وإذ تجد «قسد» أن المبادرة الروسية ستعني خسارة عُمقها الأساسي لصالح الجيش السوري، فهي تَعتبر في المقابل أن المقترحات المنقولة إليها عبر الأميركيين تعني تسليم المنطقة للأتراك من دون قتال، واستحداث تواجُد ثابت لهم عبر نقاط مراقبة في المدن والبلدات الحدودية. وعليه، فإن «قسد»، على رغم إدراكها أنها ستخسر المزيد من مناطقها في حال وقوع الهجوم التركي، إلّا أنها ترى أن هذه الخسارة ستبقى محدودة أمام خسارة كامل الشريط الحدودي، ولذا فهي تفضّل تلقّي الضربة وامتصاصها على تفاديها.