غزة | خوف ورعب يسيطران عليّ كلما فكرت بابنتي... ابنتي التي بلغت من العمر بضعة أسابيع داخل بطني، والتي تُورثني الألم مضاعفاً. قصف الطائرات المعادية والمتوحشة الآن فوق رأسي. إنها تقصف فوق رأسي ورأسها. نبضها صار أضعف. سكنت الجهة اليمنى. أشعر بسكونها وأشمّ رائحة الخوف التي تتسرب مني إليها ومنها إليّ. أُواسيها بالذي لا يمكنني الفرار منه. ابنتي التي لم ترَ النور بعد، اليوم بدأت تتعلم الخوف وفنون الرعب وهي لا تزال جنيناً في داخلي.يا هل ترى، بماذا سأخبرها حين تولد عن صوت القصف؟ كيف أقول لها حقيقة عالمنا المختلف في غزة؟ كيف أشرح لها عن القهر والسجن الكبير. كيف أشرح لها كلمة «مقاومة»؟ متى سيكون بمقدورها فهم معناها وورطتها الكبيرة في هذه البلاد حين نغادر بيتنا ذات حرب. هل أضعها بين يدي وأوشوشها بقصة مختلقة عن غول الحكايا القديمة؟ أم أتركها في البيت وأدّعي أني نسيتها كما فعلوا سابقاً أيام البلاد، سقى الله تلك الأيام؟... لماذا أهرب بها؟ من مصير موت إلى موت بطيء داخل سجن غزة؟

هي عقدتي منذ طفولتي من القصف الإسرائيلي، وعقدتنا جميعاً هنا. مذ كنا صغاراً، كانت أمي تكذب عليّ وتخبرني بأنها أصوات الهواء. كبرت قليلاً بعدها... قرأت الأخبار العاجلة في نشرات الأخبار التي لا تخرس في منزلنا... كلمة قصف... كم كانت كبيرة ومطاطة، ومع ذلك فإنها لم تكن لتتسع لأصوات الهواء التي تحدثت عنها أمي... لم تتسع لتبرير قتل الأطفال والكبار معاً!
ترى، ماذا يخبرون أطفالهم هم عن كل ما يجري؟ هل يكذبون كأمهاتنا لأجلهم... أم يقولون لهم الكلام الكبير عن الهيكل ووعد الله لهم ووطنهم القومي... ليكبروا مشبعين بكل هذه الكراهية والعنف!
لما تكبر ابنتي سأقول لها إن قدر الله مكتوب علينا أن نولد ببلاد مكبلة، وليست كباقي الدول تملك نوافذ، وهواء... لا تملك الحق في تنفسه، وإن الله من شدة محبته لنا يختبرنا مرة بفقد قريب، ومرة بجرح حبيب، ومرة بأسر شخص كان أقرب من حبل غسيل الجارة الى وريد بيتنا، فصار حلماً نراه في المنامات، نطمئن عليه من الأخبار... فقط حين يقرر الصوم عن كل شيء إلا الماء والملح أو حين يستشهد!
سأخبرها أن قدر الفلسطينيات الجهاد ولو في بيوتهن، ليلاً ونهاراً، وأينما يكنّ... قدرهنّ أن يشعرن بالأمان حين يغادرن دون عودة. قدرهن النوم على سيمفونيات القصف بدلاً من موزارت أو فيفالدي!
الساعة العاشرة الآن. توقف القصف قليلاً. تعالي يا ابنتي لننام قبل أن تبدأ الحفلة مجدداً...