العريش | منذ بداية الحرب الجارية على غزة قبل أسبوعين، وقرابة 300 مواطن فلسطيني عالقون على الحدود المصرية ـــ الفلسطينية، وتحديداً في معبر رفح. هؤلاء ينتظرون من السلطات المصرية فتح المعبر باتجاه العودة إلى قطاع غزة، مع العلم بأن نصفهم تقريباً وصلوا إلى الحدود بعد عودتهم من أداء العمرة، في حين أن الباقين هم طلاب عائدون لقضاء الصيف مع عائلاتهم.ويعيش العالقون ظروفاً صعبة على الحدود بسبب التوتر الأمني الناجم عن الوضع المتدهور في سيناء، إضافة إلى أن الحرب لا تقع بعيداً عنهم؛ فيما أعينهم وقلوبهم على ذويهم في الداخل، فضلاً عن نفاد ما بقي لديهم من مال في ظل استنزاف الأيام وطلب أسعار سياحية مقابل الخدمات البسيطة التي تقدم لهم مع اجتماع شهر رمضان والصيف عليهم.

ويقول أحدهم، ويدعى سعيد الناجي، إن أبرز مشكلة تواجههم حالياً هي فقدانهم أماكن تؤويهم، وخاصة أن غالبيتهم من كبار السن أو ممن يحتاجون إلى خدمات علاجية، لكن التعليمات العسكرية الصادرة للقائمين على إدارة المعبر منوطة فقط بتجميع العالقين في منطقة لا تزيد على 500 متر فقط، مع توفير بعض الأغطية والمأكولات المعلبة وتقديمها لهم مرتين في اليوم.
على مقربة منه، يقف عزيز النخلاوي ليتبادل أطراف الحديث مع عالق آخر، ذاكراً أن «موائد الرحمن» التي يقدمها المصريون في رمضان لإفطار الصائمين صارت لا تعرف طريقها إلى سيناء، «فالقيادات الأمنية تحظر التجوال على كل المواطنين عدا عدد قليل من الإعلاميين والأطباء»، في حين شكا له زميله قلة الملابس لديه وخاصة أن البيئة الصحراوية باردة في الليل والفجر وحارة في النهار.
ومع شح المياه في المكان، يتولى الشباب مهمة الإتيان بعلب الماء من أقرب مسجد، لكنه يبعد عن المنطقة مسافة كيلومتر تقريباً، وذلك جراء إجلاء القوات المسلحة كل المظاهر المدنية من المنطقة إلى ما بعد ثلاثة كيلومترات في إطار حربها على الأنفاق قبل عام.

تتعامل القاهرة بالمنطق
الأمني لا الإنساني مع العالقين
على معبر رفح


تضاعفت أسعار البضائع
والمواد التموينية في رفح عشرة أضعاف تقريبا

أما عن الأسعار، فتذكر المسنة راقية غياض أن البضائع والمواد التموينية في رفح تحولت إلى تجارة أشبه بالسياحة بعدما ارتفعت تكلفتها عشرة أضعاف تقريباً، مؤكدة أن ما لديهم من مال قارب على النفاد في ظل الغلاء، لكنها أشارت إلى إمدادهم ببعض الأدوية والأطعمة المعلبة.
ومن أصعب المواقف التي تعرضوا لها خلال الأيام الماضية حينما ألقت قوات الاحتلال قنابل دخانية على المناطق الحدودية، فتحول المشهد إلى مأساة وخاصة أن القوافل الطبية المتراصة على ناحية المعبر والممنوعة من الدخول أغفلت توفير أنابيب أوكسجين وأجهزة تنفس كافية لإسعاف كبار السن والأطفال الذين عانوا ويلات الدخان الإسرائيلي.
«الأخبار» راجعت محافظ شمال سيناء، اللواء عبد الفتاح حرحور، الذي قال إن إسكان العالقين قضية تحتاج إلى تعاون جهات معنية كثيرة «لأنها موضوع مهم يؤثر على الأمن القومي»، لافتاً إلى غياب آلية لدى المحافظة بشأن توفير مساكن للفلسطينيين «لأن وجودهم في مصر أمر عارض، وسيحل قريباً وخاصة أن المساعى الدبلوماسية تبذل لاستعادة الهدوء في القطاع»، ما يوحي بأن مصير العالقين سيظل مرتبطاً بقضية التهدئة.
أما على الجانب الفلسطيني، فقالت وزارة الداخلية التابعة لحكومة «حماس» السابقة إن الجانب المصري لا يتعامل مع جواز السلطة الفلسطينية على كلا جانبي المعبر تحت دعوة «غياب أمن الدولة عن المعبر وهو المخول بالتعامل مع الجواز الفلسطيني وترحيله إلى مطار القاهرة»، مشيرة عبر صفحتها الرسمية في «الفايسبوك» إلى أن طريق معبر رفح خطيرة وغير آمنة.
وللتعمق أكثر في فهم غياب قرار لحل مشكلة هؤلاء العالقين والإجراءات المشددة بحقهم، قال مصدر أمني، رفض ذكر اسمه، إن مصر لا تعمل الآن ضمن اتفاقية لعمل المعابر كما كان سابقاً، وما يجري من فتح المعبر هو قرارات استثنائية على عاتق القيادة.
وأضاف لـ«الأخبار»: «المواطنون هم ضحية الحروب الطاحنة ولا نعلم كيف ومتى سيسمح لهم بالعبور، لكننا نوفر كامل الدعم والرعاية لهم»، مستدركاً: «لن نسمح بتكرار دخول بعضهم واستغلال سيناء، فالقوات المسلحة تعهدت بحماية دول الجوار». واستطرد قائلاً: «مشكلة حركة حماس مع المعبر ليست إدخال البضائع أو الناس، بل انتزاع الشرعية من منظمة التحرير. والعقبة الآن تعنت بعض الفصائل على حساب مواطنيها، لذلك رفضت السلطات المصرية التعامل معها».
يشار إلى أن إدارة مطار القاهرة والسفارات المصرية في دول العالم تمنع إعطاء تأشيرات عودة للفلسطينيين في هذه الأيام بناءً على إغلاق المعبر ومنع دخولهم الأراضي المصرية.
في ظل هذا الوضع المأسوي، قال موسى عتيق، وهو أحد العالقين ولم يتعدّ عمره 18 عاماً، إن «التشديدات التي فرضتها القوات الأمنية على المعبر منذ يوم الجمعة جسّدت معنى المعاناة التي يعيشها مهاجرو الحروب»، ذاكراً أن بعض العالقين نظموا تظاهرة رمزية اعتراضاً على المعاملة التي يتلقونها، لكنهم واجهوا تشديداً كبيراً من الأمن الذي انتشر «تحت دعوى أنباء عن اقتحام المعبر عقب صلاة الظهر». مضيفاً: «جراء ذلك رفضت السلطات توجهنا إلى أقرب مسجد (جامع السلام) لأداء الصلاة، كما منعتنا من شراء بعض الاحتياجات الخاصة لذوينا».
أما لجهة الراغبين في السفر، فقد أوضحت الداخلية في غزة أن عدد العالقين داخل القطاع وصل إلى 13 ألف مسجل للسفر، ولم تسمح مصر وفق إحصاءاتها إلا بدخول 18 مصاباً من أصل 2500، فضلاً عن 2786 من حملة الجوازات الأجنبية والمصرية. وأكملت «السلطات المصرية تمارس سياسة المراوغة تجاه قضايانا الإنسانية، رغم أن الحدود مع غزة آمنة وقوات الأمن الوطني لم تسمح بالمساس بأمن مصر طوال أيام الحرب».