حركة دبلوماسية نشطة طبعت المشهد العام في المنطقة على خلفية العدوان الإسرائيلي على غزة، بلغ من الاستثنائية مكاناً صالحت فيه الدوحة الرياض، أو هكذا بدا، مع زيارة مفاجئة قام بها أمير قطر تميم بن حمد بن خليفة آل ثاني إلى جدة، في وقت كان فيه وزير الخارجية الأميركي جون كيري يتمسك بالمبادرة المصرية في القاهرة، ومعه طبعاً «نظام المشير»، بينما كان محمود عباس يتنقل من البحرين إلى قطر إلى الأردن إلى رام الله، حيث أعلن جهراً تمسكه بالمصالحة وبمطالب المقاومة، وذلك بعدما ألغى زيارة كانت مقررة للسعودية، من دون أن تُعرف الأسباب.
هناك، في رام الله، حيث كان في انتظاره الأمين العام للأمم المتحدة بان كي مون قادماً من إسرائيل على أن ينتقل اليوم إلى الأردن، حاملاً مجموعة أفكار تحاكي المبادرة المصرية لوقف إطلاق النار.
يأتي كل ذلك في وقت نجحت فيه المقاومة، بصلياتها الصاروخية، في شل سماء إسرائيل ووقف حركة الطيران من مطار بن غوريون وإليه، مع إعلان واشنطن وقف تنظيم أي رحلات إلى هذا المطار لمدة 24 ساعة، في إجراء تبعتها فيه كبريات الشركات الأوروبية، وذلك على خلفية سقوط صاروخ للمقاومة على مقربة من المطار المذكور. حال دفعت بنيامين نتنياهو شخصياً إلى الاتصال بجون كيري، طالباً منه وقف هذا الإجراء.
بل أكثر من ذلك. فقد أعلنت كتائب «القسام» إصابة طائرة حربية إسرائيلية من طراز «أف 16» بصاروخ أرض جو، في سماء منطقة دير البلح.

كيري يعلن من القاهرة دعمه المبادرة المصرية والعودة إلى تفاهمات 2012
وأكد عباس، في افتتاح اجتماع طارئ لأعضاء اللجنتين المركزية لحركة فتح والتنفيذية لمنظمة التحرير في رام الله، تمسكه «بالوحدة الوطنية وإنهاء الانقسام وبحكومة الوفاق الوطني، مشدداً على أن «الهدف الرئيس لهذا العدوان الإسرائيلي هو تدمير قضيتنا وإجهاض المصالحة»، ومشيراً الى أن جهوده تستهدف إعلان التهدئة «ومن ثم العمل على إنهاء الحصار وفتح المعابر ووقف أشكال العدوان كافة، بما يشمل احترام حقوق الصيد البحري وإلغاء المناطق العازلة الحدودية والإفراج عن أسري صفقة شاليط الذين أعادت إسرائيل اعتقالهم والإفراج عن الدفعة الرابعة من قدامى الأسرى وأعضاء المجلس التشريعي، والعمل الفوري لإدخال المساعدات الإنسانية وعقد مؤتمر دولي للمانحين من أجل إعادة إعمار قطاع غزة».
وقال عباس «سوف نذهب الى كل مكان من أجل وقف العدوان وانتزاع حقوقنا المشروعة، وسنلاحق كل مرتكبي الجرائم ضد أبناء شعبنا مهما طال الزمن، حتى لا تمر هذه الجرائم دون محاسبة أو عقاب». وختم قائلاً «أُذن للذين يقاتلون بأنهم ظُلموا وأن الله على نصرهم لقدير».
خطاب سارع من بعده الناطق باسمه ياسر عبد ربه إلى قراءة بيان القيادة الفلسطينية الذي دعا إلى أوسع تحرك فلسطيني وعربي ودولي نصرة لـ«غزة الأبيّة» ولصمودها، معلناً دعم القيادة الفلسطينية لـ«المقاومة» في حربها الشرسة ضد الاحتلال.
وكان عباس قد زار الأردن وقطر التي زار أميرها تميم بن حمد جدة، مساء أمس، للقاء الملك السعودي عبدالله، على ما أفادت قناة «الجزيرة».
ونقلت وكالة «رويترز» عن «مصدر سعودي مطّلع» قوله إن عبدالله يعتزم إبلاغ تميم إجراء جميع جهود الوساطة عبر مصر. وقال إن «التعامل مع القضايا المتعلقة بالفلسطينيين كان وسيظل دائماً دور مصر التاريخي. سيتم إبلاغ قطر بأن تظل بعيداً».
في هذا الوقت، رأى جون كيري، من القاهرة التي وصلها أمس أيضاً عضو اللجنة المركزية لحركة فتح عزام الأحمد ووفد إسرائيلي كل على حدة، أن المبادرة المصرية هي الإطار لإنهاء العنف بين الجانبين، مطالباً جميع الأطراف بالوقف الفوري للقتال والعودة إلى اتفاق هدنة 2012.
وفي مؤتمر صحافي مشترك مع نظيره المصري سامح شكري، قال كيري، عقب لقائه الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي، «لا يزال أمامنا عمل، ومن الواضح لكل الأطراف أن هناك إطاراً أو جدولاً لإنهاء العنف، هذا الإطار جاء كما تقدمت به المبادرة المصرية». وأضاف أن «الولايات المتحدة تتفق مع شركائها الدوليين في ضرورة وضع نهاية فورية للقتال والعودة إلى اتفاق 2012»، مشيراً إلى أن «التوصل إلى اتفاق وقف النار ليس كافياً، فمن الضروري أن يكون هناك نقاش موسع لكل الأمور الكامنة التي أدت إلى هذا النزاع». ولفت إلى أنه «موجود (في القاهرة) بناءً على طلب الرئيس (الأميركي باراك) أوباما، في محاولة لإيجاد سبيل لدعم المبادرة المصرية لوقف إطلاق النار في غزة».
وأوضح أنه أجرى اتصالات بكل من عباس ونتنياهو، مشيراً إلى «أننا ندعم حق إسرائيل في الاستجابة والدفاع عن نفسها، لكن للأسف الأشخاص العالقون في هذه الأزمة هم مئات من المدنيين الأبرياء، مئات المدنيين في غزة يخسرون حياتهم في هذا الصراع».
من جانبه، قال الوزير المصري إن «المبادرة المصرية حظيت في لحظاتها الأولى بتأييد دولي وإقليمي لتضمينها لعناصر تهم كافة الأطراف»، داعياً الطرفين إلى دعم وقف إطلاق النار. وأضاف أن «الموقف الأميركي يعبّر عن الموقف القائم بين الدولتين (مصر وواشنطن) لمحاربة أي تهديدات على المستوى الإقليمي».
في سابقة في تاريخ التعامل الدبلوماسي غير مألوفة، أجرى ضباط أمن الرئاسة المصرية تفتيشاً لوزير الخارجية الأميركي جون كيري وكبار معاونيه، مستخدمين جهازاً محمولاً للكشف عن المعادن، لدى وصولهم للاجتماع مع الرئيس عبدالفتاح السيسي.
وقالت وكالة «رويترز» إن مراسلها شاهد مسؤولاً يرفع جهازاً محمولاً للكشف عن المعادن، ويمرره حتى الجزء السفلي من سترة كيري، قبل أن يسمح له بالمرور للاجتماع مع السيسي.
بدوره، قال عزام الأحمد إن «القيادة الفلسطينية قدمت اقتراحاً في إطار المبادرة المصرية للتهدئة في غزة، يتضمن وقف إطلاق النار تعقبه مفاوضات تستمر 5 أيام». وأضاف، عقب لقائه شكري، أن «مصر لم تمانع بالنسبة إلى هذا الاقتراح»، مشيراً إلى أنه لم يتم وضع فترة زمنية محددة للوصول إلى اتفاق للتهدئة، قائلاً إنه «طرح اليوم فكرة عقد هدنة إنسانية لعدة أيام وتم رفض هذه الفكرة (لم يوضح من الذي رفضها)، ويبدو أن ما يدور على الارض الآن أصبح هو الذي يتحكم في مسار المباحثات».
وشدد على أنه «لا توجد أي مبادرات مطروحة خارج إطار المبادرة المصرية إطلاقاً، سواء كانت مبادرة قطرية أو تركية أو مبادرات مشتركة بين أكثر من جهة». ووصف مطالب «حماس» بأنها «محقة، ولكن الخلاف هو حول طريقة تنفيذها، وهل تتم قبل الاتفاق مع إسرائيل أو كما ورد في الورقة المصرية أن يجرى اجتماع فلسطيني ــ مصري وآخر إسرائيلي ــ مصري حتى تتمكن مصر من التوصل إلى اتفاق».
أما بان كي مون فقد دعا من رام الله إلى وقف إطلاق النار فوراً في غزة، ووقف إطلاق الصواريخ على إسرائيل والعودة إلى جذور المشكلة.
(الأخبار)