غزة | منذ ثمانينيات القرن الماضي، ومع ازدياد عدد الأسرى الفلسطينيين في سجون الاحتلال، اعتمدت فصائل المقاومة الفلسطينية عمليات أسْر الجنود الإسرائيليين لمُبادلتهم بالأسرى الفلسطينيين، ليَبلغ عدد تلك العمليات على مرّ حوالى 4 عقود، قرابة 40، نجح بعضها وفشِل بعضها الآخر. بدأت هذه السلسلة بتاريخ 17/2/1988، حيث تمكّن الجناح العسكري لحركة «حماس» من أسْر الرقيب الإسرائيلي، آفي ساسبورتس، بعد أن تمّ تجريده من سلاحه وأوراقه الرسمية داخل الأراضي المحتلّة عام 1948، قبل أن يَجري قتْله والتخلّص من جثته، التي عُثر عليها لاحقاً، إثْر العديد من عمليات البحث التي قادها آلاف الجنود، بفعل تشقّق الأرض مِن حوْلها وتسرُّب رائحتها. وفي 3/5/1989، تمكّنت «كتائب القسام» من أسْر الجندي إيلان سعدون الذي كان بكامل عتاده العسكري، وهو ما أحبط معنويّات جنود الاحتلال وأربك حكومته التي لم تتمكّن من العثور على جثّة سعدون إلّا بعد مرور نحو سبعة أعوام على الهجوم. وفي وسط قطاع غزة في 18/9/1992، أسَر مقاتِلو «القسام»، الجندي آلون كرفاتي، قرب مخيم البري، قبْل قتْله وتجريده من لباسه العسكري ومصادرة سلاحه من طراز «M16». وأعقبَ ذلك أسْر الرقيب أوّل، نسيم طوليدانو، بتاريخ 13/12/1992 من داخل الأراضي المحتلّة عام 1948، حيث طالبت الكتائب في ذلك الحين بالإفراج عن الشيخ أحمد ياسين مقابل إطلاق سراح طوليدانو، لترفض سلطات العدو طلبها، ما دفَع «القسام» إلى قتْل الأسير الإسرائيلي، وحمَل دولة الاحتلال على إبعاد 400 من قيادات حركتَي «حماس» و«الجهاد الإسلامي» إلى منطقة مرج الزهور جنوب لبنان.أمّا عام 1993، فقد كان أكثر الأعوام كثافة في محاولات أسْر جنود الاحتلال؛ إذ وثّق الجناح العسكري لـ«حماس» أكثر من 8 محاولات في خلاله، في ظلّ قرار اتّخذته الحركة حينها بتعظيم غلّتها من الأسرى الإسرائيليين من أجل مُبادلتهم بالشيخ ياسين، قائد «حماس» الذي كان معتقَلاً في سجون العدو. وأسرت «كتائب القسام»، مع بداية العام المذكور، الجندي يوهوشع فريدبرغ، أثناء تَوجّهه إلى قاعدته العسكرية، واستولت على بندقيّته الرشاشة، ثمّ قامت بقتله بعدما حاول المقاومة، وألقت جثّته على طريق «القدس - تل أبيب» السريع. وفي الشهر الذي يلي، حاولت، بتاريخ 20/4/1993، أسْر الملازم شاهار سيماني (21 عاماً)، وهو ضابط يعمل في وحدة «دفدفان» داخل الأراضي المحتلّة عام 1948، لكنّه قاوم عملية الأسر، فتمّ قتله والاستيلاء على سلاحه ووثائقه الشخصية. وفي عام 1994، أسَرت مجموعة من الجناح العسكري لـ«حماس»، الجندي نخشون مردخاي فاكسمان، وأمهلت جيش الاحتلال للإفراج عن ياسين، لكن الجيش رفض ذلك، فتمّ في 14/10/1994 قتْل فاكسمان بعد محاصرة مكان احتجازه، حيث اندلعت اشتباكات أدّت إلى مقتل قائد الوحدة المختارة في قوات العدو، وجندي منها، وإصابة 20 آخرين، في مقابل استشهاد أفراد خلية الخطف، وهم: صلاح جاد الله، وحسن النتشة، وعبد الكريم بدر، فضلاً عن اعتقال جهاد يغمور وزكريا نجيب.
بلغ عدد عمليات الأسر على مرّ حوالى 4 عقود، قرابة 40، نجح بعضها وفشِل بعضها الآخر


في صيف عام 1996، أسرت «خلية صوريف»، التابعة لـ«القسام»، الجندي شارون أدري، من مدينة القدس المحتلّة، قبْل أن تَقتله وتحتفظ بجثّته سبعة أشهر كاملة، ثمّ يعترف أفرادها بمكان الجندي بعد تحقيقات مكثّفة معهم من قِبَل السلطة الفلسطينية وقوات الاحتلال. وفي تشرين الأول 2000، قبض فلسطينيون على جنديَي احتياط إسرائيليَين في مدينة رام الله في الضفة الغربية المحتلّة وقتلوهما، وهو ما أثار صدمة في إسرائيل، التي أطلقت عملية دمّرت خلالها المقرّ العام للشرطة الفلسطينية في رام الله، وأعادت احتلال بعض المناطق الفلسطينية. وفي عام 2005، تمكّنت «كتائب القسام» في مدينة رام الله، من أسْر الضابط ساسون نورائيل، عضو جهاز الأمن العام الإسرائيلي «الشاباك»، من مدينة القدس المحتلّة، ومن ثمّ قتلتْه وتخلّصت من جثّته التي عُثر عليها في بيتونيا في قضاء رام الله بعد عدّة أيام. وفي 25 حزيران 2006، وفي عملية معقّدة وجريئة، تمكّن مقاتلون من «القسام» و«ألوية الناصر صلاح الدين» و«جيش الإسلام»، من اقتحام الموقع العسكري «كرم أبو سالم» جنوب قطاع غزة، وخوْض معركة بطولية أدت إلى مقتل اثنَين من جنود العدو وإصابة آخرين، وأسْر العريف الصهيوني، جلعاد شاليط، والاحتفاظ به لمدّة 5سنوات، لتُبرَم في نهاية المطاف، عام 2011، صفقة «وفاء الأحرار» التي حُرّر فيها 1050 أسيراً فلسطينياً.
خلال الحرب على قطاع غزة ما بين عامَي 2008 - 2009، تمكّن مقاتلو «القسام» من أسْر 6 جنود إسرائيليين على جبل الريس شرق حيّ التفاح. وفي أثناء العملية، تدخّل الطيران المروحي الصهيوني وقصَف الجنود مع المجموعة التي أسرتْهم. وفي الحرب نفسها، أسرت مجموعة أخرى من «القسام» جندياً إسرائيلياً شرق مخيم جباليا، واحتفظت به لمدّة يومَين، ساومت خلالهما سلطات الاحتلال المجموعة على تسليم الجندي، ولدى رفْض الأخيرة ذلك، عمد العدو إلى قصْف المكان، ما أدّى إلى مقتل الجندي والمجموعة التي أسرتْه. بتاريخ 12/6/2014، أسَر مقاتلون من الجناح العسكري لـ«حماس»، 3 جنود إسرائيليين في مدينة الخليل في الضفة المحتلّة، واحتجزوا جُثثهم لعدّة أيّام، قبل أن تَعثر عليهم قوات الاحتلال إثْر عمليات تمشيط واسعة وإغلاقات ومداهمات. وبعد أشهر من المطاردة، استشهد اثنان من أفراد الخلية التي نفّذت عملية الأسر، التي اندلعت على إثرها الحرب على قطاع غزة عام 2014، بعدما تدحرجت من تبادل القصف إلى مواجهة عسكرية. وفي الـ20 من تموز من العام نفسه، أقدمت قوّة خاصة من «كتائب القسام»، خلال معركة «العصف المأكول»، على استدراج قوّة إسرائيلية مؤلَّلة حاولت التقدّم شرق حيّ التفاح شرق غزة، لتنجح في إيقاعها في حقل الألغام المُعدّ مسبقاً، وتعمد إلى تفجر الحقل بالآليات، ومن ثم تتمكّن من أسْر الجندي شاؤول أرون.
بعد أسْر أرون بأسبوع، تمكّن تشكيل قتالي من قوّات النخبة التابعة لـ«حماس»، مكوَّن من 9 مقاتلين، من تنفيذ عملية إنزالٍ خلْف خطوط العدو، ومهاجمة برج عسكري محصّن تابع لكتيبة «ناحل عوز» يضمّ عدداً كبيراً من الجنود، ومن ثمّ الإجهاز على جميع مَن فيه ومحاولة أسْر أحدهم، ولكن ظروف الميدان لم تسمح بسحبه إلى النفق الذي خرج المقاتلون منه. إلّا أنه في أعقاب ذلك بأيام، استطاع تشكيل من «القسام»، أسْر الضابط هدار جولدن، خلال كمين نصبتْه الكتائب لقوّة من جيش الاحتلال تسلّلت شرق رفح جنوب القطاع، حيث تمكّن المقاومون من قتْل عدد من الجنود الإسرائيليين والقبض على جولدن. وفي مطلع عام 2016، ظَهر الناطق العسكري باسم «كتائب القسام»، أبو عبيدة، في لقاء مصوَّر، عَرضت الكتائب في خلاله صور أربعة جنود صهاينة أسرى لديها، من بينهم أبراهام منغستو وهشام السيد، فيما رفضت الكشف عن أيّ تفاصيل تتعلّق بهم من دون تدفيع الاحتلال الثمن. وخلال معركة «سيف القدس» في عام 2021، حاول مقاتلون من الجناح العسكري لـ«حماس» تنفيذ عمليات جديدة خلْف خطوط العدو شرق مدينة خانيونس، إلّا أن محاولاتهم باءت بالفشل بعدما استهدف الاحتلال النفق المُعدَّ لها، ما أدّى إلى استشهاد 18 مقاتلاً من «القسام».