«منذ فترة ليست ببعيدة، كان كل خبر حصول انشقاق في صفوف الجيش السوري يعدّ إشارة إلى اقتراب موعد انفراط الجيش ويدقّ مسماراً جديداً في نعش النظام (...) لكن وبشكل معاكس تماماً أدّت تلك الانشقاقات الى تقوية الجيش بدل إضعافه»، هكذا رأت فلورانس غوب، من «معهد الدراسات الأمنية الأوروبية». مقال غوب، الذي نشر على موقع مؤسسة «كارنيغي»، ذكّر بكيفية تعاطي الإعلام العربي، وخصوصاً قناة «الجزيرة»، مع أخبار الانشقاقات، إذ خصصت القناة القطرية عدّاداً ثابتاً على موقعها لإحصاء الجنود والضباط المنشقين عن الجيش السوري، وكان الإعلام المعارض «يهلل» لتلك الأخبار كلما حدثت.
غوب لا تنكر حصول عدد كبير من الانشقاقات في صفوف الجيش، لكنها ترى في ذلك «أمراً طبيعياً ومتوقعاً في أغلب الحروب، ولا سيما الأهلية منها». وتذكّر بما حصل في حروب نابوليون بونابارت والحرب الأهلية الأميركية وصولاً الى غزو العراق الأخير عام ٢٠٠٣ حيث حصلت انشقاقات كبيرة في الجيش العراقي والأميركي والبريطاني.
فما الذي حصل إذاً في سوريا؟ ولماذا لا يزال الجيش السوري صامداً متماسكاً ويحقق الانتصارات الميدانية؟ سألت غوب. المحللة الأمنية عزت ذلك الى أن انشقاق بعض الضباط لم يؤد الى انشقاق الوحدات التابعة لهم، لذلك فإن كل الانشقاقات اعتبرت فردية وليست من النوع الذي يهدد بنية الجيوش. ولاحظت أنه في حالة الجيش السوري، فإن الانشقاقات التي شهدها زادت من قوته ولم تضعضعه كما حصل مثلاً في لبنان عام ١٩٨٤ وفي ليبيا عام ٢٠١١. غوب تضيف الى تلك الأسباب «قيام الجيش السوري بحلّ بعض المجموعات غير القوية في الجيش والإبقاء على العناصر الأكثر التزاماً» و«استخدام بعض المجموعات القتالية التي يقودها (العميد في الجيش السوري) ماهر الأسد تؤازرها عناصر من حزب الله وإيران». لكن غوب تشير الى أنه يجب ألا نبالغ في إعطاء الأهمية للشق المذهبي في الحرب السورية في ما يتعلّق بالجيش. فالرئيس بشار الأسد «كما والده لم يكن هدفهما إرساء المعتقدات العلوية في الجيش، بل الحفاظ على النظام»، ولم يميزوا بين علوي وسنّي في العقوبات مثلاً.
غوب تستنتج أن نظام الأسد نجح في تحصين الجيش «ضد الانقلابات»، مبقياً على الوحدات القوية قريبة منه. «رغم جراحه وخساراته، ما زال الجيش صامداً وقادراً على مواجهة المتمردين، ونجح في اجتياز التحدي تكتيكياً وعقائدياًً»، تخلص غوب، وتردف «لكن الواقع يقول إن الجيش السوري يمكن أن يربح الحرب، لكنه لن يتمكّن من فرض السلم».
(الأخبار)