تونس | تواجه تونس تحديات جدية على الصعيد الداخلي والخارجي. أولها الخطر الذي يتهدد وحدة المؤسسة العسكرية وقوتها، بعدما حاول الحزب الحاكم السيطرة عليها، ما يدفع شخصيات عسكرية بارزة إلى الاستقالة، في وقتٍ عانت فيه البلاد من نجاح الميليشيات المتطرفة في إنهاك الدولة. هذا كله بالتزامن مع تدهور الوضع الأمني في ليبيا وتدفق آلاف الليبيين عبر الحدود مع تونس.
تضاربت الأنباء، أمس، بشأن استقالة أحد أهم قادة الجيش التونسي، قائد أركان القوات البرية محمد صالح الحامدي، حيث نفى صباح أمس، المتحدث باسم وزارة الدفاع لمجد الحمامي خبر الاستقالة، فيما أكد المكلف شؤون الإعلام في وزارة الدفاع رشيد بوحولة أن الحامدي قدم استقالته في 23 الفائت.
تمثل القوات البرية أو جيش البر العمود الفقري للجيش التونسي. وتُعد استقالة رئيسها تأكيداً لصحة ما يروج عن خلافات تشق المؤسسة العسكرية في عدد من الملفات، من بينها مكافحة الإرهاب وأداء الجيش في هذا المجال.
واتهم عدد كبير من الناشطين الرئيس المؤقت منصف المرزوقي بمحاولات السيطرة على الجيش وتوظيفه لخدمة مصالح حزبية تتعلق بحزبي «المؤتمر من أجل الجمهورية» و«حركة النهضة». ورغم الصمت الذي لازمه الجيش التونسي الذي يشهد له الشعب بحياديته وزهده في السلطة، ودفاعه الدائم عن النظام الجمهوري، فإن استقالة اللواء صالح الحامدي رجحت أن هناك «أموراً غامضة» في المؤسسة العسكرية.

تدفق نحو
١٠٠ ألف ليبي خلال الساعات الفائتة إلى معبر رأس جدير الحدودي

هذا الاعتقاد يدعمه ان استقالة الحامدي ليست الأولى، إذ سجلت المؤسسة العسكرية استقالة رئيس أركان الجيش رشيد عمار في حزيران من العام الماضي.
آنذاك، لمّح عمار إلى وجود جهات حزبية تسعى إلى توجيه الجيش وفق أجندة حزبية، في وقتٍ يتميز فيه الجيش بوحدته وبحماية مؤسسات الدولة التي تجلّت بوضوح في «ثورة 14 جانفييه».
وفي ظل تكتم المؤسسة العسكرية على الأسباب الحقيقية لاستقالة قائد القوات البرية، وفيما قالت وزارة الدفاع أنها لأسباب عائلية، يعتقد محللون أن استقالة حامدي ترجع إلى موقفه من قرار الرئيس المؤقت بشأن تكريم 240 ضابطاً من المعزولين من الجيش والتعويض لهم، مع الاعتذار. هؤلاء الضباط أدانهم نظام الرئيس المخلوع زين العابدين بن علي بتهمة محاولة الانقلاب سنة 1991، وهي الحادثة المعروفة بـ«براكة الساحل». يدعم هذا الاعتقاد أن استقالة الحامدي الذي خلف رشيد عمار، جاءت قبل يومٍ من موعد التكريم وترقيتهم.
تكريم الضباط أثار جدلاً واسعاً في الشارع التونسي، وخصوصاً أن الجنرال رشيد عمار رفض في السابق معاملة الضباط المعزولين المحسوبين على حركة النهضة، على هذا النحو.
وقد تكون استقالة الحامدي على علاقة بالضربات الموجعة التي تلقاها الجيش في جبل الشعانبي من محافظة القصرين وجبل ورغة من محافظة الكاف من قبل عناصر متطرفة. الضربات تعود أسبابها في معظم الحالات، إلى غياب المعطيات الاستخبارية التي تمكن الجيش، بالإضافة إلى الشغور في منصب مدير الأمن العسكري لأشهر، بعد مماطلة المرزوقي في تعيينه.
لا شك أن استقالة قائد القوات البرية تأتي في وقت دقيق من الحرب على الإرهاب، وفي ظل انهيار الوضع في ليبيا حيث تدفق نحو ١٠٠ ألف ليبي خلال الساعات الفائتة إلى معبر رأس جدير الحدودي. وبذلك يرتفع عدد الليبيين المقيمين في تونس بشكلٍ كبير، بعدما كان عددهم يقدر قبل الأزمة الأخيرة بمليون شخص.
وكان وزير الخارجية المنجي الحامدي قد أعلن في تصريح إذاعي أمس أن إمكانات تونس لا تسمح الآن باستيعاب عدد كبير من اللاجئين الليبيين، مطالباً المجتمع الدولي بتحمل مسؤوليته. ولم يستبعد الحامدي إمكانية غلق الحدود مع ليبيا، وهو الموضوع الذي تبحثه تونس مع الجزائر لمواجهة تداعيات الأزمة الأمنية والاقتصادية القادمة من ليبيا.
على صعيدٍ آخر، أكد عضو الهيئة العليا المستقلة للانتخابات نبيل بافون، أمس، أن مكتب الهيئة قرر التمديد مجدداً في عملية تسجيل الناخبين، نظراً إلى ضعف إقبال الناخبين في الأيام الأخيرة الذي قد تعود أسبابه للتزامن مع فترة عيد الفطر. وأشار نبيل بافون إلى أن التمديد سيشمل مبدئياً الأسابيع الثلاثة الأخيرة من شهر آب.