صنعاء | وأخيراً، أُعلن رسمياً منتصف الليلة الماضية، قرار رفع الدعم الحكومي عن المشتقات النفطية وتحرير أسعارها. لقد تأخر الإعلان طوال ثلاثة أشهر، بعد أن مُهِّد له بطرق عديدة. خلق الإعلان أزمة خانقة في سوق البنزين وأجبر المواطنين على الاستعانة بالمشتقات النفطية المتوافرة بكثرة في السوق السوداء، وبعلم الحكومة وبأسعار مضاعفة.
حالة دفعت كثير من الناس إلى رفع أصواتهم للمطالبة بضرورة التعجيل برفع الدعم والعمل على توفير المواد النفطية، بطريقة تعمل على تخفيف معاناتهم، فيما يُعرف عن غالبية المواطنين اليمنيين ضعف قدرتهم على احتمال حالات الضغط النفسي، وخصوصاً مع تزايد حالات انقطاع البنزين من المحطات خلال شهر رمضان.
يقول محمد الباهلي، وهو صاحب محل تجاري في وسط العاصمة، إن تأجيل إعلان رفع الدعم، إنما يعمل على تنشيط السوق السوداء والإضرار أكثر وأكثر بالمواطنين. من جهته، ذهب الرئيس الانتقالي عبد ربه منصور هادي، لإجراء مصالحة لم تكن متوقعة، تابعها المواطنون من خلال البث المباشر لصلاة العيد على شاشة التلفزيون الرسمي، حيث ظهر هادي إلى جوار الرئيس السابق علي عبد الله صالح، وفي الجهة الأخرى ظهر اللواء علي محسن الأحمر، أحد كبار رجال الجيش الذين أعلنوا انشقاقهم على صالح وكانوا القشة التي قصمت حكم صالح.
مصالحة لم يتوقعها اليمنيون، هذا الإجراء الذي قام به الرئيس هادي، رأى متابعون أنه جاء لكسب تأييد أنصار الطرفين، تمهيداً لإعلان رفع الدعم، وما في هذا من تخفيف لحدّة رد الفعل الشعبي في الشارع. هو الأمر الذي ظهر واضحاً مع حصول احتجاجات محدودة يوم أمس، وهو ما أدى إلى وضع الجيش، الذي نزل إلى الشوارع منذ فجر أمس تحسباً لأي احتجاجات، في حالة استرخاء، مكتفياً بتفريق الأعداد القليلة التي نزلت إلى الشوارع وفي مناطق محدودة، تمركزت في أطراف العاصمة صنعاء. لكن هناك من رد ضعف الاحتجاجات إلى واقع أن غالبية الناس القاطنين في العاصمة يقيمون الآن خارجها في إجازة عيد الفطر، وأن الاحتجاجات الحقيقية ستكون مع بداية الدوام الوظيفي بداية الأسبوع المقبل. وعلى الرغم من حالة الهدوء النسبي التي تخللت يوم أمس، مع اكتفاء مواطنين في مناطق متفرقة من العاصمة بإحراق الإطارات وقطع الطرق الرئيسية، تناقلت أنباء عن سقوط ضحية من المارة، وهي امرأة قتلت برصاص أُطلق عشوائياً ولا يُعرف مصدره.
وكان الرئيس هادي قد استبق قرار رفع الدعم عن المشتقات، بخطاب ألقاه عشية عيد الفطر، أكد فيه أن أي إجراءات ستقوم بها الحكومة، إنما تهدف إلى تدارك دخول اليمن في نفق اقتصادي مظلم، سيكون إصلاحه مستحيلاً في حال تأخره. كذلك أصدر قرارات موازية ذهبت للحد من الإنفاق غير المبرر لعدد كبير من وزراء حكومة التوافق، وظهرت في ميزانيات ضخمة رُصدت لسفريات خارجية بلا مردود واضح يعود إلى الدولة، وهو الأمر الذي أثار استياء الناس.
ويقول خبراء اقتصاديون، إن رفع الدعم عن المشتقات النفطية وبهذه الطريقة التي تم بها، إنما يعتبر عملية لا طائل منها. ويؤكد الباحث في جامعة صنعاء محمد حسن، أن عملية رفع الدعم من دون إجراء أي عمليات إصلاحية أو إجراءات صارمة تهدف إلى إصلاح الوضعين المالي والإداري، لا تؤدي إلا إلى تصعيد حالة السخط لدى الناس، حيث لن يؤدي أي رفع في مستويات الدخل القومي لخزينة الدولة، إلا إلى مزيد من الفساد، وسط حالة إدارية ومالية غير مضبوطة بنحو صارم. وهو إجراء قد يكون مشابهاً لتلك العمليات التي كان يقوم بها نظام علي عبد الله صالح في مناسبات عديدة وأدت إلى قيام ثورة شعبية أسقطت نظامه.
ويعاني اليمن حالياً من صعوبات اقتصادية بالغة، تتمثل في حوادث الاعتداءات المتكررة على أنابيب تصدير النفط، وهو ما يؤدي إلى تعطيل عملية ضخ المواد النفطية إلى مناطق التصدير، ما يكبّد خزانة الدولة مبالغ ضخمة، إضافة إلى الاشتباكات اليومية التي تحاصر استقرار البلاد من جهات مختلفة.
وكان الرئيس الانتقالي قد ألقى خطاباً عشية عيد الفطر، أكد فيه أن استخدام السلاح والعنف لا يمكن أن يحققا أي هدف سياسي خارج عن الإجماع الوطني، المتمثل في مخرجات الحوار الوطني الشامل، فضلاً عن أنه عمل مدان على المستوى الوطني والإقليمي والدولي.