القاهرة | تعمّد الوسيط المصري أمس أن يعقد جلساته مع الوفد الفلسطيني، كل فصيل على حدة، بعيداً عن وسائل الإعلام. لكن ذلك لم يخل من نقل الطرف الفلسطيني وحتى المصري جزءاً من المشهد الذي يجري رسمه، فيما لا تزال المقاومة الفلسطينية تواصل إطلاق صواريخها على المدن المحتلة، مركزة قصفها بالهاون على تجمعات الجنود الإسرائيليين الذين انسحب جزء منهم إلى الشريط الحدودي في بعض مناطق قطاع غزة، وفي المقابل تواصل إسرائيل عملياتها البرية في رفح (جنوب) وبيت حانون (شمال) وقصفها المنازل وأهدافاً أخرى.
وكان الوفد الفلسطيني قد وصل على دفعات، ما أتاح المجال للحوارات المنفردة، ومن أبرز القادمين من الدوحة كان عضو المكتب السياسي لحركة «حماس» عزت الرشق ومعه ستة أعضاء آخرين، ومن «الجهاد الإسلامي» نائب الأمين العام زياد النخالة، وسبقهم وفد «فتح» والسلطة ممثلاً بعزام الأحمد واللواء ماجد فرج (المخابرات الفلسطينية)، وبسام الصالحي عن حزب «الشعب» وقيس عبد الكريم عن الجبهة الديموقراطية.

إسرائيل تترقب مفاوضات
القاهرة وتراهن على قرار دولي في حال إخفاقها

وتقاطعت مصادر فلسطينية ومصرية في تأكيد أن غياب التمثيل من غزة سببه الظروف الأمنية.
وكان لافتاً حضور مبعوث اللجنة الرباعية الدولية طوني بلير، ونائب وزير الخارجية الأميركي وليام بيرنز، مع غياب للوفد الإسرائيلي الذي أكد مصدر مصري لـ«الأخبار» أن من المقرر قدومه خلال يومين «وسيكون فيه رئيس الشاباك يورام كوهين، ورئيس الدائرة السياسية والأمنية في وزارة الجيش عاموس جلعاد، والمحامي إسحاق مولخو وهو مبعوث بنيامين نتنياهو الخاص».
في السياق، نقلت صحف مصرية عن مصادر دبلوماسية لم تسمها أن هناك ضغوطاً مصرية ـــ أميركية من أجل إقناع تل أبيب بالمشاركة في المفاوضات غير المباشرة مع الوفد الفلسطيني بعد تعبير حكومة العدو عن رفضها المشاركة مسبقاً. وقالت تلك المصادر إن المبعوث الأميركي إلى الشرق الأوسط، فرانك وينشتاين، يجري اتصالات مع حكومة الاحتلال لثنيها عن قرار رفض المشاركة في مفاوضات القاهرة.
الفصائل الفلسطينية أصدرت، من جانبها، ورقة من ستة مطالب ببنود فرعية، وقالت إنها توافقت عليها بصورة كاملة. على رأس هذه المطالب الوقف الفوري للحرب وانسحاب القوات الإسرائيلية من قطاع غزة ووقف التوغلات البرية وتحليق الطيران في أجواء القطاع. والبند الثاني شمل إنهاء الحصار على غزة «انطلاقاً من تفاهمات 2012 بما يضمن: فتح المعابر وضمان حرية حركة الأفراد والبضائع وإدخال مستلزمات إعادة الإعمار، وفك الحصار الاقتصادي والمالي، وضمان التواصل بين غزة والضفة، وحرية العمل والصيد في المياه الفلسطينية حتى 12 ميلاً بحرياً، وإعادة تشغيل مطار غزة وإنشاء الميناء البحري.
كذلك يشدد البند الثالث من المطالب على إلغاء «المناطق العازلة» التي فرضها العدو على حدود القطاع، فيما الرابع يخص الضفة ويطالب بوقف كل العقوبات التي فرضها الاحتلال عليها منذ 12 حزيران الماضي، بما في ذلك إطلاق سراح النواب ومن اعتقل من محرري صفقة جلعاد شاليط وحتى الدفعة الرابعة من قدامى الأسرى، ووقف اعتداءات المستوطنين وإعادة فتح المؤسسات التي جرى إغلاقها وإرجاع ما صودر منها.
أما البند الخامس فيركز على إعادة إعمار غزة تحت سقف حكومة التوافق الفلسطينية بالتعاون مع الأمم المتحدة التي تتكفل بالمساعدات للمتضررين، وفك الحصار المالي وتحويل الرواتب والعمل الفوري على حل مشكلة محطة الكهرباء. وأخيراً المطلب السادس وهو عقد مؤتمر دولي برئاسة النرويج وعضوية الدول الأوروبية والعربية وأميركا واليابان وتركيا وروسيا والصين ودول إسلامية لتوفير الأموال وفق برنامج زمني محدد.
وتوضح مصادر قريبة من الرئاسة المصرية لـ«الأخبار» أن القاهرة تنظر إلى هذه المطالب على أنها ذات «سقف عال»، لكن «الرئيس عبد الفتاح السيسي تابع المفاوضات بحضور ممثلين عن المخابرات الحربية، وأبدى موافقته عليها، شريطة أن يكون فتح معبر رفح (المغلق منذ منتصف 2013) عبر اتفاق بين السلطات المصرية والفلسطينية فحسب». كما رفض السيسي أي محاولات لإدخال مفاوضات فتح المعبر ضمن اتفاقية التهدئة التي تسعى القاهرة إلى إقرارها، مؤكداً أن القاهرة والسلطة ممثلة بالرئيس محمود عباس ستنسقان من أجل فتح المعبر.
تأسيساً على ذلك، طالب الجانب المصري بتأجيل الحديث عن فتح المعبر حتى الانتهاء من المفاوضات الخاصة بالتهدئة، مبدياً رفضاً كاملاً لفكرة وضع المعبر تحت إدارة دولية أو إلزام مصر بفتحه في أوقات محددة ضمن اتفاقية التهدئة. ونقلوا عن السيسي أنه أكد «حق كل دولة في تأمين حدودها بالطريقة التي تراها مناسبة لها».
ميدانياً، لا تزال المقاومة تقصف المدن المحتلة وخاصة القريبة من غلاف غزة، ولا سيما المواقع العسكرية التي صار التركيز عليها بقذائف الهاون إلى جانب صواريخ 107 وc8k. كما كانت البلاغات العسكرية تؤكد أنها تستهدف الحشود العسكرية على حدود غزة أو داخلها. وهددت كتائب القسام (حماس) بأن «استمرار المجازر سيجعل كلّ المدن المحتلة في دائرة استهدافنا»، معلنة أنها قصفت تل أبيب (تل الربيع ـــ يافا) بصاروخ M75.
في المقابل، تواصلت الغارات الإسرائيلية ضد المنشآت والمنازل المدنية والدولية، وارتكب جيش العدو مجزرة في مدرسة تابعة لوكالة غوث وتشغيل اللاجئين (الأونروا) في رفح (جنوب)، ما دعا حركة «حماس» إلى اتهام الأمين العام للأمم المتحدة بان كي مون بأنه «شريك في هذه الجريمة لصمته عن القصف الإسرائيلي». أيضاً، تواصل استهداف بيوت عدد من العائلات في مناطق متفرقة، حاصداً عشرات المدنيين وعائلات بأكملها. ووفق وزارة الصحة في غزة، فقد أدى العدوان، ما قبل منتصف الليل، إلى استشهاد 1830 منهم 398 طفلاً و207 من النساء و74 مسناً، و إصابة 9370 منهم 2744 طفلاً و1750 سيدة و343 مسناً. على جانب آخر (علي حيدر)، يفترض أن الرهان الإسرائيلي صار مبنياً على قاعدة أن قرار حكومة العدو الانسحاب الأحادي الجانب من قطاع غزة، ولو بالتدرج، يمكن أن يؤدي إلى منح القيادة هامشاً أوسع في المناورة السياسية، ويسمح لها بمواكبة المفاوضات في القاهرة واستمرار الضغط العسكري مع أقل قدر ممكن من الخسائر.
وبعبارة أخرى، يجري نقل كرة مسؤولية استمرار المواجهة العسكرية مع ما تتضمنه من استمرار النزف البشري الفلسطيني إلى فصائل المقاومة عامة، وحركة «حماس» خاصة. مع الرهان أيضاً على أن يجري تثميرها في اتجاهين، الأول حشر المقاومة سياسياً أمام الجهات الدولية والعربية، على أمل أن يترجم ذلك على طاولة المفاوضات، أو بلورة ضغط شعبي فلسطيني باتجاه فرض وقف النار من دون تحقيق إنجازات.
في المقابل، يبقى القلق الأكبر لدى أوساط العدو أن تتبخر هذه الرهانات أمام الصمود السياسي للمقاومة كما جرى على المستوى الميداني. وهو ما سيضع الأطراف المتربصة وخاصة الاحتلال أمام مأزق حقيقي. فمواصلة المقاومة عملياتها على المستوى الصاروخي واستهداف القوات البرية، تحدٍّ سيضع قيد الاختبار صدقية الإنجازات التي ادّعاها بنيامين نتنياهو والقادة العسكريون، كما يضعهم من جديد أمام تحدي الخيار البديل، وماذا بعد؟
في كل الأحوال، محور الرهان الإسرائيلي في المرحلة التالية يتركز على المسار السياسي في القاهرة، أو عبر قرار دولي تتبناه الولايات المتحدة والدول الأوروبية وعدد من الدول العربية، منها مصر، ويحقق لتل أبيب الأهداف السياسية للحرب.