عمّان | كان يفترض أن تُحَلّ مشكلة محافظة معان في جنوب الأردن على عدة مراحل، تلافياً لسيناريو أكثر خطورة. وفي سبيل ذلك، شُكِّلت لجنة نيابية لمتابعة الأوضاع مع وجهاء المدينة إثر المواجهات التي اندلعت الشهر الماضي وخروج مسيرات في المدينة تبايع «أبو بكر البغدادي» مسؤول تنظيم الدولة الإسلامية «داعش». كذلك وضع جدول زمني لتنفيذ المطالب الشعبية التي انقسمت إلى نوعين: الأول الوضع الأمني، والآخر مطالب خدماتية وتنموية، بالإضافة إلى تسليم المطلوبين للجهات الأمنية حتى يتسنى للدولة إغلاق ملف الأزمة. وكان واضحاً أن هناك تجاوباً من وجهاء المدينة في ملف المطلوبين بشرط تحقيق مطالبهم والتعامل مع معان كبقية محافظات المملكة، وجاء ذلك بعد عدة اجتماعات توافقية أحدها جرى أول من أمس (الأحد) واتفق فيه على تسليم 11 مطلوباً. لكن سفن الأحداث جاءت متسارعة وغير متوقعة، فكان مقتل الضابط نارت نفش من قوات الدرك، إثر هجوم مسلح نفذه مجهولون في المحافظة، كما ذكر مصدر أمني قال لـ«الأخبار» إن الفاعلين لاذوا بالفرار. وقال المصدر إن المجهولين أطلقوا النار من أسلحة آلية على إحدى الدوريات في محيط مدينة الحجاج وسط معان، ما أدى إلى إصابة الضابط.
وإثر ذلك أوعز المدير العام لقوات الدرك اللواء الركن أحمد السويلمين، بتشكيل لجنة تحقيق وضرورة معرفة الجناة وإلقاء القبض عليهم. هذا الهجوم المسلح لم يكن الوحيد، فقد تعرض الوفد النيابي المكلف حلّ الأزمة في المدينة إلى «محاولة اغتيال» في اليوم نفسه بعد أن حاول أحد الأشخاص إلقاء قنبلة محلية الصنع باتجاههم، كما أفاد عضو الوفد النائب خليل عطية لـ«الأخبار». وذكر عطية أن الوفد كان يضم رئيس المجلس النيابي عاطف الطراونة وثمانية نواب آخرين، قائلاً إن الأهالي أحبطوا محاولة التفجير «وألقوا القبض على الجاني وسلموه للجهات الأمنية».
فجر الأزمة مجدداً
مقتل الضابط نارت نفش ومحاولة استهداف
وفد نيابي
من جانبه، رأى الطراونة أن محاولة التفجير أخفقت في إفساد المبادرة النيابية، وقال في تصريح صحافي إن ما جرى يأتي رداً على تسليم 11 مطلوباً من أهالي معان.
في المقابل، استنكرت بلدية معان أمس الحادث الذي أودى بحياة الضابط نفش، واتهم رئيس البلدية ماجد الشراري جهات لم يسمها بالوقوف وراء المشكلات التي تجتاح المحافظة. ومن الجدير بالذكر أن الشراري رد على المبادرة النيابية بالقول: «تمنيت أن تكون المبادرات قبل خمسة أشهر عند اندلاع الأزمة لتجنيب معان كل ما جرى وحقن دماء الدرك والناس»، مؤكداً في تصريحات صحافية أن عزوف بعض كبار معان وانزواءهم في عمان «كان له أثر عكسي».
ورغم إيحاء رئيس البلدية بأن المشكلة قائمة على أساس محلي، فإن هناك مؤشرات على ارتباطات أخرى لها علاقة بتوجهات أهل المحافظة تجاه قضايا المنطقة كـ«داعش» والحرب على غزة. والصحافة العبرية كتبت منذ مدة قريبة عن رئيس البلدية، بعد أن رسم علم إسرائيل على بوابة البلدية واشترط على من يدخلها دَوس العلم. وجاء في حديث لصحيفة «يديعوت أحرنوت» أن «البلدية رحبت بالمواطنين الداخلين إلى مبناها بنثر أعلام الدولة العبرية على أرض المدخل ودعوتهم إلى دوسها».
تجميعاً لأجزاء هذا المشهد، يرى المحلل السياسي راكان السعايدة أن كل ما يحدث في معان مظاهر لأزمة سببها التصادم الأمني والسياسي والاجتماعي، «والمشكلة أن الدولة لا تستطيع التفكير في حل عميق خارج إطار الحل الأمني». وأوضح السعايدة لـ«الأخبار» أن «الدولة عاجزة عن التفكير خارج الحل الأمني، ومعالجة جذور الأزمة المتعلقة بقضايا اقتصادية وإصلاحات سياسية». ويعتقد أن عمان «تعي ما تفعل وتريد للمحافظة أزمة مفتوحة على قاعدة الإدارة بالأزمة، أي إبقاء وضع معان أزمة يمكن توظيفها في أي وقت لتأجيج مسار أمني ما يخدم أجندة ما في لحظة معينة».
ولا تزال معان في عنق زجاجة الأزمة، إذ يفيد شهود عيان لـ«الأخبار» بتواصل الاشتباكات مع الانتشار المكثف للدرك داخل المدينة، ما يعني أن المدينة عادت إلى المربع الأول، أي ما قبل خمسة أشهر، إذ السيناريو واحد، والضحايا جدد.