يدرك رئيس وزراء العدو بنيامين نتنياهو، أنه يغامر بصدقيته ومعها الجيش عندما يعلن أنّ مهمة تدمير الأنفاق على وشك الانتهاء، وخصوصاً أنه سيجد نفسه في حالة حرج شديد أمام الجمهور في حال وقوع أول عملية مؤلمة تنفذها المقاومة في غزة عبر أحد الأنفاق المفترضة. لكن مع قرار الانسحاب الأحادي من دون تسوية أو حسم عسكري، لا يجد نتنياهو سوى إعلان نجاح المهمة التي توغل من أجلها جيشه داخل القطاع وتسويق صورة «المنتصر».
تواجه إسرائيل أيضاً مشكلة هي الأخطر على مستوى الدلالة، وجوهرها رفض عشرات آلاف المستوطنين حتى الآن العودة إلى مستوطنات الجنوب القريبة من غزة، ما يؤكد أنهم لا يثقون بما يدعيه الجيش والقيادة السياسية.
رفض عشرات آلاف المستوطنين العودة إلى مستوطنات الجنوب القريبة من غزة
إزاء ذلك، يحاول نتنياهو توجيه رسالة طمأنة إلى الجمهور عبر الحديث عن قرب انتهاء تدمير الأنفاق، رغم منسوب المجازفة على هذا الصعيد.
فقد أعلن في نهاية نقاش أمني داخل القيادة الجنوبية أنّ «المعركة في غزة متواصلة»، مشيراً إلى أنّ العملية العسكرية «ستنتهي عند إرساء الهدوء والأمن لمدة متواصلة بالنسبة إلى مواطني إسرائيل». وجدد أيضاً موقفه لجهة ربط إعادة إعمار غزة بتجريدها من السلاح.
واستمراراً للدعاية الإسرائيلية التي تركز على تحميل الضحية مسؤولية مقتلها، كرر رئيس وزراء الاحتلال معزوفة أن إسرائيل «ليس لديها نية لاستهداف سكان غزة»، وذلك برغم إصابة أكثر من عشرة آلاف فلسطيني من سكان القطاع في سياق العدوان المتواصل. كذلك فإنه اتهم حركة «حماس» بأنها «من يمس بهم (الفلسطينيين) نظرياً وعملياً، وتمنع عنهم المساعدة الإنسانية»، في إشارة إلى الحصار المفروض على غزة من دولة الاحتلال وعبر معبر رفح.
في موازاة ذلك، وضمن احتواء استباقي لمفاعيل أي عملية لاحقة للمقاومة، رأى وزير الجيش الإسرائيلي، موشيه يعلون، أنه «لا يوجد دفاع بنسبة 100%»، وهو إقرار مباشر بإخفاق الجيش في تحسين مستوى الردع الذي يفترض أن يحول دون تواصل الضربات العسكرية ضد قواته المنتشرة على أطراف القطاع أو حتى المستوطنات.
وأضاف يعلون أن جيشه «مستعد لتأمين رد يسمح لسكان غلاف غزة والجنوب بالنوم بهدوء»، الأمر الذي لم يلق تجاوباً حتى الآن لدى سكان تلك المناطق. وفي إقرار مباشر بإمكانية، أو أرجحية، وجود أنفاق أخرى غير تلك التي يعرفها جيش الاحتلال، تعهد الوزير أن «الجيش لن يخرج من القطاع حتى تصفية الأنفاق التي يعرفها»، مضيفاً أنّ «القوات تعمل بتصميم من أجل إزالة التهديد». وفي تعبير مباشر عن حقيقة أهداف سياسة المجازر المتعمدة والمدروسة لجهة الرهان بأن يؤدي ذلك إلى تأليب الجمهور الفلسطيني على المقاومة، قال يعلون: «من المجدي لسكان غزة إجراء حساب مع النفس إذا كان هذا الوضع مريحاً لهم أو لا». وتابع: «ما دمره جيش الاحتلال في غزة سيحتاج خمس سنوات من أجل إعادة إعماره».
من جهته، أجمل وزير الخارجية، أفيغدور ليبرمان، أمام لجنة الخارجية والأمن التابعة للكنيست الخيارات الماثلة أمام إسرائيل في مواجهة المقاومة، وهي تراوح ما بين التسوية، والإخضاع، «واستمرار تبادل النيران»، مضيفاً: «برأيي الإمكانية الثالثة ليس لها صلة». وتناول ليبرمان أيضاً استمرار التعامل مع تهديد الأنفاق، وقال: «ينبغي لنا التفكير في كيفية تحقيق الهدوء وإزالة تهديد الصواريخ ومنع تعاظمها». في ما يتعلق بالتقديرات والمخاوف الإسرائيلية من «مرحلة ما بعد حماس» المفترضة، رأى ليبرمان أن «الجميع يسألون ماذا يحدث في اليوم التالي لإسقاط حماس؟»، وقال إنّ «هناك أجوبة، أحدها تفويض الأمم المتحدة، وهو أمر ليس سيئاً كما أرى وتنبغي دراسته، ويفرض التوصل إلى اتفاق مع السلطة الفلسطينية».
في سياق متصل، قدر رئيس الهيئة السياسية والأمنية في وزارة الحرب الإسرائيلية، اللواء عاموس غلعاد، أن «حماس» تسعى إلى تحويل غزة إلى «حماستان» لتصبح نقطة انطلاق نحو الاستيلاء على الضفة، مؤكداً أن الحركة لن تنجح في ذلك.
وأضاف غلعاد، في مقابلة مع الإذاعة الإسرائيلية، أن تل أبيب «ستخلق ردعاً في مواجهة حماس كما نجحت في صد موجة العمليات الانتحارية لها». أما عن الرهان على دور ما للقوات الدولية، فقال إن تجربة الماضي «تثبت أن هذه القوات غير قادرة على فرض الأمن في المناطق التي انتشرت فيها، لكن يمكن الأمن أن يستتب في تسويات مبنية على الردع فقط».