على الرغم من حرصه الشديد على الترويج لمقولة إن إسرائيل انتصرت في الحرب على قطاع غزة، إلا أن ما ينتظر بنيامين نتنياهو في الداخل الاسرائيلي سيكون كافياً لتبديد هذه الصورة. ومع أن تسويق هذا الانطباع يأتي امتداداً للمواجهة مع المقاومة، هو موجه أيضاً، على نحو أساسي، تجاه الجبهة الداخلية، بهدف إقناعها بأن الخسائر المؤلمة التي سقطت لم تكن عبثية.
إزاء هذا الأمر، باتت صورة المنتصر أكثر من ضرورية بالنسبة إلى نتنياهو في مواجهة خصومه السياسيين، الذين يعدّون العدة للمواجهة والانتقام. كذلك بالنسبة إلى قيادة الجيش، التي تعرضت لانتقادات على خلفية أداء قواتها.
لجهة نتنياهو، يسود نوع من الغليان المكبوت داخل حزب السلطة «الليكود»، حيث ينذر التوتر بين أعضائه بحصول انفجار في أي لحظة، ولكن مع انتهاء القتال في القطاع، تتوقع جهات إسرائيلية أن ينفجر الوضع داخل الحزب، على أن يكون المشهد وفق صورة «الجميع ضد الجميع». ومن أبرز المعسكرات التي تبلورت، نتنياهو إلى جانب وزير الدفاع موشيه يعلون، في مقابل رئيس لجنة الخارجية والأمن زئيف الكين، وبالعكس. هذا من دون ذكر اللاعبين المتحررين من أي أطر، الذين نجحوا في تأليف كتل عدّة مختلفة داخل حزب «الليكود». نتيجة هذا الواقع، يدرك رجال نتنياهو أنه بعد العملية العسكرية، في غزة، سيجري استلال السكاكين ضده من دون تردد. وهو ما برز في المواقف التي دعت إلى عدم إيقاف العملية والسعي إلى ضرب حماس بصورة أقسى وأشد. ولذلك، يشعر هؤلاء بنوع من الضغط، ويستعدون لليوم الذي يلي العملية.
في ما يتعلق بالجيش، ذكرت صحيفة «هآرتس»، أن الأجواء السائدة في المؤسسة العسكرية ولدى الجمهور، لا تشبه الشعور بالفشل القاسي الذي ساد بعد حرب لبنان الثانية عام 2006. مع ذلك، تضيف الصحيفة، أن هناك شعورا بقدر من الشك وخيبة الأمل من انجازات الحرب، لكن ذلك لن يعبر عن نفسه، كما حصل في صيف عام 2006، بواسطة الاحتجاجات الشديدة التي قام بها جنود الاحتياط، وعبر الاستقالات التي سُجّلت.
وعلى الرغم من الانطباع بأن التنسيق بين القيادتين السياسية والعسكرية، كان حسناً هذه المرة، ذكرت صحيفة «معاريف» أن توتراً شديداً يسود العلاقات بين قيادة الجيش والمستوى السياسي، على خلفية العدوان على غزة، إذ تتهم القيادة السياسية المؤسسة العسكرية بأنها لم تنجح في تنفيذ المهمات الملقاة على عاتقها. في المقابل، أثارت تصريحات أحد كبار الضباط عن أن الجيش يحتاج إلى أسبوع واحد من أجل احتلال غزة وتقويض سلطة حماس، غضباً شديداً لدى القيادة السياسية. ووصف مسؤول سياسي رفيع، هذه المواقف بـ «المضللة»، مشيراَ إلى أن تقدير الموقف الذي عرضه قادة الجيش على المجلس الوزاري المصغر، كان مختلفاً تماماً عما يشير إليه الضابط المذكور، لجهة اعتقادهم بأن «السيطرة على قطاع غزة، وتقويض سلطة حماس، على غرار عملية «السور الواقي»، يتطلبان شهوراً طويلة، قد تمتد لسنة أو سنتين».
ورداً على الترويج لهذه المقولة، يقول مسؤولون سياسيون إن «السؤال الذي يجب أن يطرح، كيف فشل الجيش في تنفيذ المهمة المحدودة التي كلّفه بها المستوى السياسي، وهي استعادة الهدوء». وأضاف هؤلاء أن «رئيس الحكومة بنيامين نتنياهو غير راضٍ على النتائج التي حققها الجيش».
إلى ذلك، ما زالت تُسمع دعوات إلى تأليف لجان تحقيق، كالتي جاءت على لسان رئيس لجنة الخارجية والأمن زئيف الكين. ومن الصعب حتى الآن توقع الأجندة السياسية لالكين وما إذا كان سيستغل العملية لمصلحة نتنياهو أم ضده، كما تشير تقديرات إعلامية، إضافة إلى أن الإعلان عن أن مراقب الدولة سيفحص قضية الأنفاق، يخدم نتنياهو إذا ما جرى الأخذ بالحسبان طبيعة مراقب الدولة الحالي المريحة بالنسبة إلى الأخير.