بغداد | عام 1973، كانت الأرواح الشريرة تطارد طفلة عاشت في سنجار، في فيلم رعب أميركي من إخراج وليام فريدكين، صُوِّر في جبال هذه المدينة المعروفة بوعورة تضاريسها. لكن المفارقة، أن الأرواح الإرهابية الشريرة غزت المدينة في 2014 وطاردت شعباً بأكمله.
سنجار مدينة في غرب محافظة نينوى شمالي العراق، ارتطمت سفينة نوح بأعلى جبل فيها هو «سن جبل جار»، فصار اسمها الدال عليها، والرامز إلى تاريخها التليد.
في 2013، نزح حسن سعد من سنجار، المدينة التي ولد فيها، ولم يعرف مدينة في العالم أجمل منها، ليشد الرحال إلى بلجيكا ملتحقاً بشقيقته، بعدما سمع أن هذه الدول تسهّل لجوء الإيزيديين إليها، إذا ما أثبتوا صحة انتمائهم.
لم ينقطع حسن عن التواصل مع الأهل والأصدقاء في المدينة، الذين كانوا يشكون له على الدوام مضايقات الجماعات المتطرفة والتكفيرية، ما اضطر الكثير منهم إلى الهجرة، طلباً للسلامة.
وفي حديثه لـ«IMN»، يتحدث حسن عن اللحظة الحاسمة في حياة المدينة، حين انقطعت وسائل الاتصال بأهله لعدة أيام، بعد اجتياح عصابات «الدولة الإسلامية» لها، مشيراً إلى أن «أخبار المجازر الدموية وصلت إلى أسماع الإيزيديين في أوروبا بصورة خاصة، والعراقيين والعالم عموماً».
على مدى السنوات القليلة الماضية، تعرّض سكان عدد من القرى في محافظات نينوى وكركوك وصلاح الدين وديالى، لحملة إبادة جماعية بدوافع طائفية، حيث القتل على الهوية بدم بارد، في استمرار المجازر وحملات إبادة على الهوية تعرضت لها مناطق في شمال البلاد وغربها منذ 2003.
في عام 2004، أدت تفجيرات القحطانية بين أبناء الطائفة الإيزيدية بالقرب من مدينة سنجار بشمال العراق إلى مقتل 796 فرداً منهم.
والطائفة الإيزيدية هي أصغر الأقليات الدينية والقومية في العراق، حيث يبلغ عددهم وفقاً لمصادرهم 500 ألف نسمة، ومعقلهم في منطقة سنجار.
وإذا كانت أغلب وسائل الإعلام العراقية قد سلّطت الضوء على معاناة أبناء سنجار من إيزيديين وطوائف وقوميات أخرى، والذين هُجروا من بيوتهم قسراً أو رعباً من القتل على أيدي أفراد التنظيم الإرهابي، فإن العراقيين المقيمين في خارج البلاد، ولا سيما من أبناء سنجار، عاشوا قصصاً غنية بتفاصيل الألم والحزن على ما ألمّ بأهلهم ومدينتهم على أيدي الجماعات التكفيرية.
ومنذ بضع سنوات، كانت هجرة الإيزيديين إلى خارج البلاد، شأنهم شأن الأقليات الأخرى في المناطق الساخنة هي الأكثر تميزاً، وارتفعت أعدادهم بنحو لافت في دول مثل السويد وبلجيكا وهولندا وألمانيا والدانمارك، بسبب التسهيلات المقدمة لهم من حكومات هذه الدول في العمل والإقامة.
ويؤكد عمران حسين التركماني، الذي وُلد وترعرع في سنجار، وهاجر إلى هولندا في بداية 2013، أنه فقد شقيقه الذي أُعدم على الهوية الطائفية على أيدي جماعات مسلحة في أطراف مدينة الموصل قبل نحو شهر، فيما فرّت أسرته إلى محافظة بابل، أما بقية أفراد الأسرة، ففضّلوا الهجرة إلى تركيا على أمل الوصول إلى أوروبا.
ويسكن مدينة سنجار المعروفة بجمال طبيعتها ووعورة تضاريسها، خليط سكاني من الإيزيديين والأكراد والعرب من الشيعة والسنّة، ويسكنها المسيحيون أيضاً.
وترسخ سنجار في ذاكرة أبنائها الذين يعشقونها بشكل خاص، لأنها لا تشبه بقية المدن بجغرافيتها المتميزة وطبيعتها الجميلة ووداعة سكانها.
ويتحدث الباحث والكاتب من النجف، مكي السلطاني لـ«IMN»، عن الظلم التاريخي الذي لحق بسكان سنجار وقرية البشير ومدينة تلعفر والمناطق المجاورة، فيقول إن «الأقليات في تلك (منطقة القتل الرمادية) بعد 2003، باتت ضحايا التوافق الطائفي والعرقي، أيضاً»، فإن سكان سنجار المقيمين في خارج البلاد، يدعون إلى التنسيق الأمني بين بغداد وأربيل لمواجهة عصابات «الدولة»، في تطابق مع الدعوة التي أطلقها عضو مجلس النواب عن المكون المسيحي يونادم كنا، في حديثه لـ«IMN»، مشيراً إلى أن «المرحلة الحالية حرجة وتتطلب إعادة التنسيق الأمني بين الحكومة الاتحادية وحكومة إقليم كردستان».
وتبرز سناء الفيلي، المرأة العراقية التي عاشت تاريخ سنجار منذ خمسينيات القرن الماضي، في غرفة الاستقبال في بيتها في الجنوب الهولندي، حيث نزحت من البلاد في 2012، صوراً لقباب معبد «لاش»، قالت عنها في حديثها لـ«IMN»، بأنها «أبعدت الشر عن سنجار منذ القدم».
ورغم أن الفيلي تعيش في مدينة أوروبية يغلب عليها النظام والهدوء، إلا أنها لا تجد أجمل وأكثر راحة للنفس من ذلك المكان الجبلي الساحر الذي يحتضن معبد «لاش»، الذي طرد الأرواح الشريرة من قلب وعقل طفلة الفيلم الأميركي وسيطرد أرواح الإرهاب الشريرة أيضاً، ليستعيد الجبل السنجاري شموخه، وهو يعانق سفينة نوح عراقية، ترسي عليه من جديد.

تُنشر بالتعاون مع موقع center-imn