يدور الرئيس الأميركي باراك أوباما حول الحفرة التي وقع فيها سابقوه، محاولاً تجنّب السقوط فيها. لكن التطوّرات التي تشهدها الأزمة العراقية تنجح مع الوقت في شدّه إلى حيث لا يريد. فرغم تأكيده الدائم أنه لن يكون هناك جنود أميركيون على الأراضي العراقية كما في السابق، إلا أن الأيام المقبلة يمكن أن تنفي ذلك، بعد تلويح البيت الأبيض بنشر قوة عسكرية لمساعدة العراق، فور تشكيل حكومة جديدة لا تقصي أحداً.
التطوّر السريع الأخير يأتي غداة تطوّر سريع آخر، تمثّل بقرار أوباما السماح بتوجيه ضربات جوية ضد مسلّحي تنظيم «الدولة الإسلامية» تحت غطاء إنساني، ربما شكل ذريعة منطقية ومقبولة بالنسبة إلى الرأي العام والإعلام الأميركي. ولكن هذا الغطاء يعتبر في الوقت نفسه، سبباً غير كافٍ بالنسبة إلى كثيرين. فتردّد أوباما بين الحزم والقوة من جهة ومحاولة تخفيف وزن الحركة التي ينوي القيام بها في العراق من جهة أخرى، طغى أيضاً على الإعلام الأميركي.

يجب على واشنطن زيادة دعم الأكراد من أجل التغلب على «الدولة»


«بإرساله طائرات عسكرية مجدداً إلى الأجواء العراقية، وجد أوباما نفسه تماماً في المكان الذي حاول تفاديه، وبتطلعه لإنهاء الحرب في العراق، أصبح الرئيس الرابع الذي يصدر قراراً بتحرك عسكري في مقبرة الطموح الأميركي»، بهذه العبارة بدأت صحيفة «نيويورك تايمز»، أمس، حديثها عن الغارات الجوية التي أجازها أوباما. لكن الصحيفة أشارت مع ذلك، إلى أن الضربة العسكرية التي سمح بها أوباما محدودة مقارنة بما قام به أي رئيس سابق، حيث أشارت في هذا السياق إلى أنه سمح بالضربات المحددة الأهداف «عند الضرورة» ضد المتطرفين الإسلاميين، الذين يتقدمون باتجاه العاصمة الكردية أربيل، وضد غيرهم الذين يهددون الآلاف من غير المسلمين المحاصرين على قمة جبل سنجار.في مقال آخر، رأت «نيويورك تايمز» أن أوباما وجه نداءً سياسياً حكيماً مستعملاً تحذيراً منطقياً وسليماً، مع البقاء على التزامه عدم استقدام جنود أميركيين على الأرض العراقية.
وأيضاً للولايات المتحدة مصالحها الشخصية التي تعمل على حمايتها. ومن أبرزها، وفق أوباما: «القيام بما هو ضروري لحماية شعبنا، ودعم حلفائنا ساعة الخطر». وهنا تجدر الإشارة إلى أنه يوجد 245 عسكرياً أميركياً، بينهم 90 مستشاراً عسكرياً، إلى جانب العاملين في القنصلية الأميركية في مدينة أربيل في كردستان. كذلك إن أكراد العراق يعتبرون حلفاء مهمين بالنسبة إلى واشنطن، خصوصاً خلال الحرب الأميركية في العراق. إضافة إلى ذلك، فإن منطقتهم شبه المستقلة والآمنة، التي تعيش ازدهاراً إضافة إلى إنتاجها للنفط، طالما كانت تشكل أهمية بالنسبة إلى الحليف الأميركي. لذا ستكون ضربة كبيرة للأكراد والعراق وتركيا وأيضاً لحلف شمال الأطلسي، إذا ما قامت «الدولة الإسلامية» بالسيطرة على هذه المنطقة.
من هنا، رأى الباحث في «معهد واشنطن لسياسات الشرق الأدنى» مايكل نايتس في مقال في صحيفة «نيويورك تايمز» أيضاً، أنه يجب على واشنطن أن تزيد من دعمها للأكراد من أجل أن يتمكنوا من هزيمة «الدولة». وأشار نايتس إلى أن «هجوم المتطرفين على المصالح الكردية يشكل عنصراً مهماً في تغيير مسار اللعبة وفي القتال ضد المجموعة الإرهابية»، موضحاً أنه «قد يكون الرد الأميركي ــــ الكردي على هجوم عناصر الدولة الإسلامية عنصراً مهماً في تغيير مسار اللعبة».
واعتبر الباحث في سياق تحليل آخر نشره في «معهد واشنطن»، أنه «وسط صخب الأصوات التي تنادي واشنطن بتسليح البشمركة، من المهم استخلاص الدروس من القتال الأخير، التي تسلّط الضوء على احتياجات أكثر إلحاحاً للجيش الكردي».
وأوضح نايتس أن «البشمركة بحاجة أكثر إلى الذخيرة والأسلحة، إضافة إلى التنسيق والدعم الجوي واللوجستي، التي يمكن الولايات المتحدة أن توفرها خلال وقت قليل».في مقابل هذه الأصوات المنادية بالتدخل الأميركي، برزت أصوات أقل حدّة حاولت التطرّق إلى القضية من منظار أكثر شمولية.
الأستاذة المساعدة في جامعة كورنيل، الباحثة في «معهد العلاقات الخارجية» سارة كريبس، رأت أن «السؤال الأساسي وراء التدخل الأميركي في العراق، هو ما إذا كان استخدام القوة، يمكن تبريره في إطار القانون المحلي أو الدولي، وخصوصاً في ضوء التدخل العسكري الروسي في أوكرانيا».مجلة «فورين بوليسي»، بدورها، رأت أنه «في كل مرة تتدخل فيها الولايات المتحدة في الشرق الأوسط، تزيد الأمور سوءاً، معتبرة أنه «حان الوقت لترك كل شيء وعدم النظر إلى الوراء».
وفي سياق عرض المشاكل الكثيرة التي تواجهها دول الشرق الأوسط، قال الكاتب ستيفن والت، إنه «يجب أن لا ترسل الولايات المتحدة قوات عسكرية من ضمنها طائرات من دون طيار أو طائرات عسكرية، بهدف الفوز في معركة لم تفز بها الحكومة العراقية أو الأكراد».
فبحسب تعبيره، «أمضت الولايات المتحدة جزءاً من القرن، في مطاردة كأس بعيدة المنال وكانت النتيجة الفوضى والخلافات الطائفية التي ولّدتها الأزمات الأخيرة».وختم والت بالقول: «قد نتمكن من القيام بالقليل من الأشياء الجيدة، وبشكل محدود للأقليات التي تواجه خطراً، ولكن فوق كل ذلك، دعنا لا نقم بأذية أكثر: لا للمنطقة ولا لأنفسنا».