تكرر واشنطن حديثها عن تأخر حسم ملف "داعش" في العراق، ومعه يزداد الظن العراقي بأن أميركا تريد أولاً الحصول على ما تريد لتغيّر من خطابها "المتشائم" الذي يفسر في أحيان كثيرة على أنه رسالة مبطنة تمارس فيها إدارة باراك أوباما الضغط على بغداد .
وعلى خلاف ما أعلنه رئيس الحكومة العراقية حيدر العبادي عن أن العام الحالي سيشهد تحرير الموصل ــ أهم معاقل "داعش" في العراق ــ عاد المتحدث باسم "التحالف الدولي" بقيادة أميركا ستيف وارن، ليصف أمس تحرير الموصل بأنه "صعب ودموي وطويل". وأكد في مؤتمر صحافي أن "ضرب وقتل الكثير من قادة داعش، وجعل دخول وخروج التنظيم صعب".
يضع مختصون عراقيون النغمة الأميركية في خانة الضغط على حكومة العراق، والاعتقاد يكبر في ما مفاده أن "واشنطن تريد الحصول على ثمن قبل أن تشرع بتخليص العراق من داعش"، وهو أمر تعززه الشكوك التي يبديها مسؤولون أميركيين بقدرة العراقيين على تحرير مناطقهم، برغم انتصارات عسكرية عدة حققها "الحشد الشعبي" والجيش العراقي في الأشهر الأخيرة. ولا ينكر حتى المقربون من الحكومة العراقية أن الأخيرة تتعرض، على نحو مطرد، لضغوط أميركية متعددة وفي جوانب مختلفة.
وفي هذا الإطار، أشار المحلل السياسي ماجد الحسني إلى أن "تزايد الضغوط على بغداد أخذ يكبر كلما اقترب موعد الحسم في ملف الحرب على داعش، لكن ثمة تفاصيل أخرى يستخدمها الأميركيون". وأضاف الحسني لـ"الأخبار" أن "أكثر من طريقة يتخذها الأميركيون في العراق لانتزاع قرارات من بغداد تتوافق مع ما يرغبون به، سواء في المنطقة أو في العراق، ومنها ملف داعش والتقسيم وحتى سد الموصل والأزمة الاقتصادية".
ورأى أن "أميركا تحاول تعويض تنازلها في ملفات أخرى، مثل الملف النووي الإيراني والسوري، من خلال وضع نهاية هي تريدها لداعش، لا تفرضها أطراف عراقية محلية، بمعنى أن أميركا بيّنت في أكثر من مناسبة للحكومة أنه ليس هناك خلاص من داعش، إلا إذا قررت هي ذلك وقرارها مرتبط بمصالح تطلب من بغداد تقديمها".
تزايد الضغوط على بغداد بدأ يكبر مع اقتراب موعد الحسم في ملف الحرب على "داعش"

ولفت الحسني إلى أن التعامل الأميركي مع ملف المناطق المحتلة يشبه، إلى حد بعيد، تعاملها سابقاً مع ملف تسليح الجيش العراقي وملف الخلافات العالقة مع الكويت "حيث كان واضحاً الابتزاز الأميركي".
وبينما لا يقف الحديث عن أدوات متعددة عند "داعش"، فإن واشنطن تستخدم ذرائع أخرى للتدخل في قرارات تتخذها بغداد، سواء على الصعيد السياسي أو الأمني، إلا أن ملف سد الموصل أعاد إلى الواجهة العلاقة بين الحكومة العراقية والبيت الأبيض. والفريق السياسي نفسه تقريباً داخل العراق، الذي يوجه الاتهام لواشنطن في استخدام ملف الحرب على "داعش" وسيلة لفرض على بغداد، تعامل مع التهديد الأميركي بقرب انهيار سد الموصل وغرق العراق، على أنه أداة مضافة في الأجندة الأميركية.
وفي هذا السياق، قال النائب عن "التحالف الوطني" رزاق محيبس إن "الطريقة الأميركية في إثارة موضوع سد الموصل تثير الشكوك بشأن النوايا، والأهداف وراء ما تحدث عنه المسؤولون الأميركيون". ولم يستبعد محيبس، في حديث لـ"الأخبار"، أن تكون واشنطن تبيّت غاية معينة من تحذيراتها بشأن قرب وقوع كارثة في العراق وانهيار وشيك لسد الموصل.
من جهته، اتهم عضو مجلس النواب صادق المحنا الكونغرس الأميركي "بتشجيع الانقسام العراقي، من خلال تبني مشاريع تضعف من مركزية بغداد". وقال لـ"الأخبار" إن "الكونغرس ناقش قبل فترة وجيزة مشروع قانون يتعامل فيه مع كردستان والمحافظات السنية، على أنهما كيانان منفصلان وهذه ورقة تسعى في الأساس إلى إخضاع بغداد وسحبها إلى ما تريد".
وكان السيناتور الأميركي جون ماكين قد دعا، في زيارة سابقة إلى العراق، لإدخال قوات أميركية برفقة قوات إقليمية إلى العراق، بهدف محاربة "داعش"، وأتى ذلك بالتزامن مع تصريحات أدلى بها سفير واشنطن السابق في الأمم المتحدة جون بولتون، قال فيها إن الحل في المنطقة يكمن في اقتطاع الجزء الغربي من العراق والحاقه في الجزء الشرقي من سوريا، وتكوين دولة سنية تضم المناطق التي تخضع الآن لسيطرة تنظيم "داعش".
في غضون ذلك، دعا زعيم "التيار الصدري" مقتدى الصدر الحكومة العراقية إلى "عدم زج" أميركا وغيرها في ملف سد الموصل. وقال الصدر "لا نرضى بتدخل قوى الاحتلال، بجميع جنسياتها، في مسألة السد وإلا فسيعد تدخلاً سافراً سنعمل على إنهائه بطريقتنا الخاصة"، مطالباً الحكومة بـ"عدم زج أميركا وغيرها في هذا الملف". كما أشار إلى أن "على العبادي أخذ المسألة على نحو الجدية، وعليه أن يستلم الملف بكافة تفصيلاته، وإخراجه من وزير الموارد المائية".
في مقابل ذلك، تخطى رئيس ائتلاف "متحدون للإصلاح" أسامة النجيفي، أمس، فكرة إشراك تركيا في تحرير نينوى، إلى دعوتها إلى المساعدة على تلافي الأخطار المحتملة التي يثيرها سد الموصل والسيطرة على حالة نهر دجلة، وذلك خلال لقائه السفير التركي فاروق قيماقجي الذي أكد أن الشركات التركية المختصة جاهزة لتقديم المساعدة ومعالجة حالة السد.
تأتي هذه التطورات في وقت وافق فيه مجلس الوزراء العراقي على إحالة تنفيذ مشروع تأهيل وصيانة سد الموصل إلى إحدى الشركات الإيطالية المتخصصة.
وذكر بيان صادر عن المكتب الإعلامي لرئيس الحكومة حيدر العبادي، أن المجلس قرر الموافقة على قيام وزارة الموارد المائية بإحالة تنفيذ مشروع تأهيل سد الموصل وصيانته إلى شركة "تريفي" الإيطالية.