غزة | على امتداد أراضي بلدة بيت حانون، تختلط رائحة الدمار والخراب برائحة ما بقي من أشجار البرتقال والليمون والزيتون. «سلة الفاكهة» الشهيرة في غزة تحولت إلى خرابة كبيرة، بعدما كان الغزيون يذوقون ألذّ الثمار منها. هنا، كان المواطن محمد الكفارنة يتفقد أرضه التي جرفتها قوات الاحتلال شرق البلدة الواقعة شمال قطاع غزة خلال وقت قصير خوفا من عودة القصف الإسرائيلي.

ومع أنه رأى منزله ركاما، فإن غصة قلبه الكبرى كانت على أرضه. يقول: «لو استشهد أحد أبنائي أهون علي من تجريف الأرض. المنزل يمكن أن يبنى خلال أشهر، لكن كيف ستنمو الأشجار التي أخذت سنوات طويلة ومالاً كثيراً حتى صارت منتجة».
ويذكر الكفارنة لـ«الأخبار» أن في الأرض التي يمتلكها أشجاراً من عمر جده، «وقبل سنوات جرفت، ولكن لم تحرق الأشجار، فزرعنا غيرها واستفدنا منها... في هذه الحرب الوضع مختلف، أحرقوا الأشجار من جذورها بعد تجريف الأرض بصواريخ غريبة».
ويروي مزارعون لـ«الأخبار» أن استهداف أراضيهم كان ببراميل متفجرة أحدثت حفرا عميقة في الأرض، كما هدمت آبار المياه التي كانوا يسقون بها الزرع. ويشيرون إلى أن البارود وبقاياه كونت طبقة على التربة، لذلك لا يعلمون هل سيستطيعون إعادة زراعة أراضيهم أم لا.


تجريف الأراضي
يعطي فرصة لإصلاحها على عكس البراميل المتفجرة الحارقة

يقف «أبو مروان الكفارنة» أمام أرضه وهو يضرب كفا بكف. «كانت بيت حانون سلة الفاكهة، وأرض الليمون والبرتقال... إسرائيل حولتها الى أرض محروقة وجرداء». يقول إن الأرض هي مصدر رزقه الوحيد مع أبنائه الستة، كما حال عدد من إخوته وأبناء عمه الذين دمرت أراضيهم. ويلفت الى أنه في السنوات الأخيرة، ومع تحسن منتجاتهم صار فعلا في غزة ما يمكن القول إنه مفهوم الاكتفاء الذاتي بالنسبة إلى الفواكه، وبناءً عليه اتخذت الحكومة السابقة قرارا بمنع دخول المنتجات الإسرائيلية، ما ساهم في تحسين مدخول المزارع الفلسطيني.
يُجمع أصحاب الأراضي على أن زلزالاً ضرب المنطقة الزراعية التي يقطنها 30 ألف مواطن، فيما تناثرت جيف الحمير والخيول والطيور والأشجار والدفيئات الخاصة بالزراعة، إضافة الى وجود عتاد إسرائيلي لم ينفجر.
مدير دائرة العلاقات العامة في وزارة الزراعة في غزة، فايز الشيخ خليل، أوضح أن حجم الدمار الذي تعرضت له هذه البلدة لناحية المزروعات كبير جدا، «فقد تحولت إلى أرض محروقة لم يبق منها سوى جزء بسيط من الأراضي الزراعية». ولفت الى أنه خلال العام الماضي والجاري غدت أراض زراعية كثيرة في قطاع غزة رافدا مهما لمنتجات زراعية كان توفيرها في السوق المحلي وقفا على الزراعات الإسرائيلية. لهذا السبب تعمد العدو حرق الأرض «ليس في بيت حانون فحسب، بل كل مناطق القطاع والمحررات، لكن تبقى لهذه البلدة ميزة خاصة لأنها مصدر الحمضيات وأنواع أخرى من الفاكهة».
ويشير الى أن الأهداف التي ركز عليها الإسرائيليون كانت الأراضي والمنشآت الزراعية كبساتين الحمضيات والزيتون والفواكه الأخرى، وكذلك منشآت الإنتاج الحيواني كمزارع الدجاج والأبقار والأغنام وخلايا النحل وقوارب الصيادين.
أما الخسائر المباشرة التي طاولت المنظومة الزراعية جراء الحرب الإسرائيلية، «فبلغت وفق تقويم أولي للوزارة نحو 251 مليون دولار». وتوقع الشيخ خليل أن تفوق قيمة الأضرار غير المباشرة ذلك بكثير، من دون أن يتمكن من تقديم رقم تقريبي لها، مكتفيا بالإشارة إلى أن وزارته في صدد حصرها.