غزة | بعدما تضاءل الأمل، على مدى الأيام الماضية، في أن تفضي المفاوضات القائمة بين «لجنة الحوار» التابعة للحركة الأسيرة في سجون الاحتلال، ومصلحة إدارة السجون الإسرائيلية، إلى أيّ نِتاجات من شأنها وقْف الخطوات التصعيدية للأسرى، جاء الإعلان في وقت متأخّر من مساء أمس عن توصّل الطرفَين إلى اتّفاق عنوانه عودة الوضع إلى ما كان عليه قبل إجراءات وزير «الأمن القومي» الإسرائيلي، إيتمار بن غفير، ليوجّه «صفعة قوية إلى المجرم بن غفير» على حدّ تعبير «جمعية واعد للأسرى»، ويؤكد «انتصار إرادة الأسرى في معركة الكرامة وانتزاع الحقوق»، كما رأت حركة «حماس». وعليه، لن يبدأ المعتقَلون ما كان يُنظر إليه على أنه المرحلة الأكبر والأضخم من تصعيدهم المستمرّ منذ 37 يوماً، حيث كانوا ينوون الدخول، منذ صباح اليوم الخميس، الفاتح من شهر رمضان، في إضراب مفتوح عن الطعام، قدّرت «هيئة شؤون الأسرى والمحرَّرين» و«مؤسّسة نادي الأسير الفلسطيني»، انضمام نحو 2000 أسير إليه. وجاء هذا الاتفاق بعدما بدأ أعضاء «لجنة الطوارئ الوطنية العليا»، وهم: عمار مرضي من حركة «فتح»، وسلامة القطاوي من «حماس»، وزيد بسيسي من «الجهاد الإسلامي»، ووجدي جودة من «الجبهة الديموقراطية»، ووليد حناتشة من «الجبهة الشعبية»، وباسم خندقجي من «حزب الشعب»، إضراباً مفتوحاً عن الطعام، عمدت على إثره إدارة السجون إلى عزل أربعة منهم والاعتداء عليهم، من دون أن يفلح ذلك في ترويضهم وفق ما أظْهره الاجتماع الأوّل الذي عُقد بينهم وبين الإدارة يوم الثلاثاء. وبحسب معلومات «الأخبار»، فإن اجتماعاً ثانياً التأم أمس بين الطرفَين وأسفر عن التوصّل إلى تفاهم مع مكتب رئيس وزراء العدو، بنيامين نتنياهو، وجهاز الأمن العام الإسرائيلي «الشاباك» بوساطة مصرية. وتعزو المصادر قبول سلطات الاحتلال بشروط الأسرى إلى إدراكها أن الغليان داخل السجون سيكون بمثابة فتيل تفجير للوضع في فلسطين برمّته، خصوصاً في ظلّ شهر رمضان الذي يشكّل عادة مناسبة لتزخيم فعل التحدّي بوجه العدو.
ولو لم يتمّ التوصّل إلى الاتفاق، لكانت الخطوة التي اعتزم الأسرى اتّخاذها «الأكبر والأكثر نوعية منذ عام 1967»، وفق ما وصفها حازم أبو حسنين، وهو مدير مكتب إعلام الأسرى التابع لحركة «حماس»، في حديثه إلى «الأخبار». وقال أبو حسنين: «عشتُ في السجون 16 عاماً، لم نشهد ظروفاً توحّدت فيها صفوف الأسرى، بعيداً عن التجاذبات الحزبية كما اليوم (...) خلال 56 عاماً، خاض الأسرى أكثر من 26 إضراباً مفتوحاً، هذا الإضراب لا يشبه أيّ إضراب سابق». وكان أعضاء «لجنة الطوارئ» أعلنوا، في بيان، أنه «بعدما ظنّ العدوّ أنه يستطيع أن يستبيح شيئاً من حقوقنا وكرامتنا، وبعدما فشلت كل الجهود والمساعي الداخلية والخارجية، في لجْم «صبيان التلال» من أمثال المدعو بن غفير، والمنكِر لضوء شمس وجودنا سموتريتش؛ قرّرنا الشروع في إضرابنا المفتوح عن الطعام «بركان الحرية أو الشهادة»، لنصدح بصوت جوعنا وصبرنا في الدنيا كلّها بصوتٍ واحد ووحيد: حرية... حرية... حرية».
كبار الأسرى وعمداؤهم، من مختلف الفصائل، سيتقدّمون صفوف المشاركين في الإضراب


وبحسب مصادر مطّلعة، فإن كبار الأسرى وعمداءهم، من مختلف الفصائل، من بينهم نائل البرغوثي وحسن سلامة وسامح الشوبكي ومروان البرغوثي، كانوا سيتقدّمون صفوف المشاركين في الإضراب الملغى، والذي حمل إعلانه خصوصية على اعتبار أنه تَقرّر في شهر رمضان.
وعن هذه الخصوصية، قال أبو حسنين إن «تحدّي الإضراب في شهر الصوم، وفي هذه الأجواء الباردة، أعطى مؤشّراً إلى أن الأسرى مُقبلون على خطوة كسْر عظم مع مصلحة إدارة السجون الإسرائيلية»، مشيراً إلى أن «خطوات الأسرى تحمل السِّمة التصاعدية المتدحرجة، حيث إن خطوات الإرباك الليلي ولبس أزياء السجون «الشاباص»، تمثّل إعلان تحدٍّ يسبق الخطوات الجامعة والكبيرة». وسبق للحركة الأسيرة أن نشرت، في 19 آذار الجاري، وصيّة جماعية، حملت قدراً كبيراً من التصعيد، إذ قال فيها المعتقَلون متوجّهين إلى قيادات الفصائل: «لا تتركونا وحدنا في ساحات المعركة، مكشوفين لسهام الغزاة، احموا أرواحنا وظهورنا، فأنتم أحادي القيم والمبادئ، والرهان عليكم كاسب. حرّرونا ونحن أسرى أحياء، قبل أن نكون جثثاً وأرقاماً». وبحسب أبو حسنين، فإن الرسالة كانت تحمل لهجة أكثر حدّة، لكن قيادة الفصائل في الخارج اتّفقت مع قيادة الأسرى على تخفيفها. وبيّن أن «فكرة إخراج الوصايا تؤكد أن الأسرى لديهم الاستعداد الكامل للتضحية، ولم يَعُد لديهم ما يخسرونه حين مسّ ابن غفير بالحدّ الأدنى من أسباب الحياة الكريمة».
بدوره، قال الأسير المحرَّر رأفت حمدونة، وهو باحث حقوقي مختصّ في شؤون الأسرى، في حديث سابق على الاتفاق إلى «الأخبار»، إن «الأسرى لا يرغبون في الجوع ومضاعفة المعاناة في السجون»، مشدّداً على أن «كلّ الجهود يجب أن تصبّ في إطار عدم إطالة أمد الإضراب، وتحقيق المطالب الإنسانية بأقلّ قدْر من المعاناة، وهذا يستلزم تكاتُف الجهود الشعبية والرسمية والفصائليّة والإعلامية».
ورأى حمدونة أن «مطالب الأسرى التي تكتسب السِّمة المطلبية والإنسانية، ستساهم إنْ أحسنّا حمْلها والدفاع عنها، في عزْل حكومة الاحتلال على الصعيد الدولي، لأن الخطوات الانتقامية ضدّهم تمسّ أدنى حقوقهم الإنسانية، كما من الممكن أن يساهم هذا الإضراب الكبير في تعميق الخلافات الداخلية في كيان الاحتلال، وخصوصاً أن هناك شخصيات سياسية وأمنية إسرائيلية تُفضّل المحافظة على الهدوء في السجون، وعدم استثارة الشارع والفصائل في هذا الملفّ الحسّاس».