بعد اتّصالات مكثّفة أجرتها كلّ من طهران وموسكو، نجحت هذه المساعي، أخيراً، في تقرير عقد اجتماع على المستوى الدبلوماسي بين دمشق وأنقرة، سيعقب اجتماعات عدّة على المستوى الأمني والعسكري. اجتماعاتٌ رفضت بعدها دمشق الانخراط في النقاش على المستوى الدبلوماسي، قبل وضع جدول أعمال واضح يتعلّق بالانسحاب التركي من الأراضي السورية، فيما حاولت أنقرة تجاوز هذه النقطة عبر الإصرار على عقد لقاء سياسي من «دون شروط مسبقة». وأدّى ذلك إلى عودة نائب وزير الخارجية التركي، بوراك أكجابار، إلى بلاده في انتظار التوافق على هكذا لقاء، بعدما كان قد سافر إلى العاصمة الروسية قبل نحو أسبوعَين، بالتزامن مع زيارة الرئيس السوري، بشار الأسد، لها ولقائه الرئيس فلاديمير بوتين.وفي أعقاب اجتماعه مع بوتين، خرج الأسد، حينها، بتصريحات واضحة، أكد خلالها أن دمشق لن تنخرط في أيّ اجتماع مع أنقرة «لا يكون هدفه أو نتيجته خروج القوات التركية غير الشرعية من البلاد»، مستهجناً تصريحات وزير الدفاع التركي الذي يقول إن قوّات بلاده الموجودة في سوريا ليست احتلالاً، محمّلاً تركيا مسؤولية الانفلات الأمني الذي تشهده الحدود الشمالية، الأمر الذي أثار جدلاً واسعاً حول مستقبل عملية التطبيع المدفوعة من قِبَل روسيا وإيران، وسط تكهّنات باحتمال انهيار المفاوضات. إلّا أن مصادر مطّلعة قلّلت، في حديث سابق إلى «الأخبار»، من حظوظ هذا الاحتمال، مؤكدة أن تركيا درست بجدّية الموقف السوري المتشدّد، وبدأت تبحث سبل سحب قواتها من سوريا في المرحلة المقبلة، وفق جدول زمني واضح، بغضّ النظر عن نتيجة الانتخابات الرئاسية التي تخوضها تركيا في شهر أيار المقبل، على أن تلعب كلّ من موسكو وطهران في ذلك دور الضامن.
وأمام هذه المعطيات، يمكن النظر إلى الاجتماع الرباعي المنتظَر على أنه خطوة أولى على طريق طويل، في ظلّ التشعّبات العديدة للدور التركي في الحرب السورية، وتباين وجهات النظر حول سبل حلحلتها، بالتوازي مع استمرار الطرح التركي للجانب الاقتصادي كأولوية يمكن أن تعود بالفائدة على الجميع. وفي هذا الإطار، تدور الأفكار التركية حول فتح المعابر الرسمية مع سوريا وإعادة تفعيل خطوط الترانزيت، وبشكل خاص معبر باب الهوى، بما يترتّب عليه من فتح طريق «M4» (حلب – اللاذقية) المقطوع في ريف إدلب. وكانت عملت القوات التركية، قبل وقوع زلزال السادس من شباط، على ترتيب المشهد الميداني تمهيداً لتشريع الطريق، بالتوازي مع دراسة سبل تنشيط المعبر الذي تسيطر عليه «هيئة تحرير الشام»، في وقت سعت فيه الأخيرة التي يقودها رجل «القاعدة» السابق، أبو محمد الجولاني، إلى توسيع دائرة سيطرتها، والتوغّل في ريف حلب الشمالي، كنقطة ارتكاز خلفية تؤمّن حضورها في المشهد السوري، حتى في حال خروج إدلب عن سيطرتها، تبعاً لتطوّرات التوافقات السورية – التركية.
يمكن النظر إلى الاجتماع الرباعي المنتظَر على أنه خطوة أولى على طريق طويل


هذه التعقيدات تبرّر جدول الأعمال المتشعّب الذي تمّ طرحه للاجتماع الرباعي في موسكو يومَي 3 و4 نيسان، إذ ستُجري الوفود في اليوم الأوّل اجتماعات جانبية ثنائية للتوافق على أجندة محدّدة تتمّ مناقشتها في اليوم التالي، ومن المنتظر أن تتضمّن إلى جانب قضية الوجود التركي، سبل تأمين الحدود التي تسيطر على جزء منها «قوات سوريا الديموقراطية» (قسد) المدعومة أميركياً، والتي تتّهمها أنقرة بأنها امتداد لحزب «العمّال الكردستاني» المصنّف على لوائح الإرهاب التركية، بالإضافة إلى مسألة الأمن المائي في ظلّ العبث التركي المستمرّ بتدفّق مياه نهر الفرات، والذي أدّى إلى موجات جفاف ألحقت أذًى كبيراً بالقطاع الزراعي. ومن المقرّر أن تتبع هذا الاجتماعَ سلسلة لقاءات أمنية وعسكرية، سورية – تركية، بحضور إيراني وروسي.
وبالتوازي مع إعادة تنشيط العملية السورية - التركية، والتي تتزامن مع انفتاح عربي مستمرّ على دمشق انضمّت إلى ركبه أخيراً الرياض بشكل رسمي عبر إعلانها بدء العمل على إعادة الخدمات القنصلية، كخطوة أولى على طريق التطبيع بين البلدَين، تُواصل الولايات المتحدة تصعيدها السياسي في وجه هذا الانفتاح، وخصوصاً أنه يأتي كنتيجة مباشرة للجهود الروسية لحلّ الأزمة السورية. وفي آخر حلقات هذا التصعيد، جاء إصدار حزمة جديدة من العقوبات تحت مسمّى «قانون الكبتاغون»، وتكثيف الحديث عن توسيع دائرة «قانون قيصر» ليشمل الدول التي تسعى للتطبيع مع الحكومة السورية، والإصرار على إبقاء القوّات الأميركية في سوريا أيّاً كانت المخاطر المحدقة بهذا الوجود، بعد الاستهداف الذي طاول قواعد واشنطن قبل أيام، وأدّى إلى مقتل وإصابة عدد من الجنود الأميركيين. وفي الوقت نفسه، تتابع الدوحة لعِب دورها كرأس حربة ضدّ دمشق، على الرغم من خسارتها حليفتها الرئيسة في الملفّ السوري (أنقرة)، حيث تزداد مساحة التباين في وجهات النظر والمصالح بينهما مع مرور الوقت.