بغداد | ليس لدى نوري المالكي من يسانده. خرج الرجل العنيد من حلبة العراك «الشيعي» على منصب رئيس الوزراء، بلمحة اتفاق خاطف من قبل كتل «التحالف الوطني» ما عدا الحليف «الكاثوليكي» زعيم منظمة بدر هادي العامري. فحتى «الدعوة»، الحزب والكتلة، انشقت عن «صاحب الولاية الثالثة». وبينما عاشت بغداد ليلة عصيبة من الشحن الأمني والترقب، بعد منتصف ليل الأحد ــ الاثنين، بدا نهارها هادئاً دون إشكالات، وبعد الظهر، تسارعت التحركات، وتدفق كم هائل من دم التجديد في عروق العملية السياسية الباهتة، فانتعشت طهران وواشنطن والرياض على حد سواء.
خرج المالكي بخسائر أقل مما كان يتوقع.
آخر ظهور للمالكي كان عند منتصف ليل الأحد ــ الاثنين، بدا مجهداً وعارفاً بالمصير الذي سيواجهه قبالة الاتفاق «الشيعي» ضده. لمّح إلى إمكانية استخدام ورقة الشارع، والميليشيات، حين طالب أنصاره بـ«أخذ أعلى درجات الحيطة والحذر والترقب».
الظهور الثاني، كان مساء أمس عند باب مقر إقامته في المنطقة الخضراء، بمعية عدد من أعضاء كتلة «حزب الدعوة» ـ جناح المالكي. لم يتكلم، ولم ينظر مباشرة إلى الكاميرا، ووقف إلى جانب النائب عبد الصمد خلف، القادم من البصرة البعيدة، متنازلاً عن رئاسة مجلسها التشريعي، لشغل مقعد لتمثيل حزب الدعوة في البرلمان.
أعلن خلف أن المرشح البديل للمالكي، الذي وقّع رئيس الجمهورية فؤاد معصوم أوراق تكليفه، حيدر العبادي، لا يمثل كتلة «الدعوة» في ائتلاف دولة القانون، ولا يمثل الأخير أيضاً، بل «يمثل نفسه فقط»، منوهاً بأن كتلة الدعوة تضم 54 نائباً حصلت موافقة 44 نائباً على تكليف المالكي بـ«الولاية الثالثة»، وبالتالي إن ادعاء العبادي بحصوله على موافقة 38 نائباًً دعوياً «باطل».

يخشى سياسيون
عراقيون أن يشكّل المالكي حكومة
من طرف واحد


صمت المالكي بات يشكل خطورة، في مواجهة احتمالات التصعيد، وما بات مؤكداً أن الرئيس المنتهية ولايته، أصبح من الماضي السياسي، وأية خطوة باتجاه نقض المرسوم الجمهوري، انتحار ستواجهه الكتل «الشيعية» بحراب موجعة.
حتى ليلة الأحد، كانت هناك بارقة أمل كبيرة للمالكي بالحفاظ على مكتسبات سياسية جيدة، تحفظ له ماء الوجه، وتبقيه على قيد العملية السياسية، لكن تعنته الغريب جعل الحلفاء أمام مأزق انتهاء المهلة الدستورية، وقناعة بأن المالكي لن يغير مواقفه، ويريد تضييع مزيد من الوقت لإهدار دم «التحالف الوطني» على مذبح الطموح الشخصي.
كان المالكي يفاوض في حال تنازله بالترشح عن التكليف الوزاري، الاحتفاظ بوزارة أمنية، هي «الداخلية» وقوة عدادها نحو ألفي عنصر أمني، ورشح أنها «لواء الرد السريع» المعروف بـ«لواء بغداد» وعدم ملاحقته وملاحقه عائلته وبعض مريديه قانونياً، أو فتح أي ملف من ملفات حكومتيه السابقتين. فضلاً عن إبقاء كافة المرافق العقارية والسكنية التي يسيطر عليها، الأمر الذي رفضه الحلفاء وعدوه محاولة منه للتحول إلى «أمير حرب». يعيد الانقسام حول المكلف تشكيل الوزارة العراقية الجديدة، سيناريو الثني ـ المعتيق الليبي، ويخشى سياسيون عراقيون أن يقوم المالكي من طرف واحد بتشكيل حكومة، ورفض أية حكومة تشكل خلافاً لرغبته. رغم مصاعب الخطوة وفشلها دستورياً ونيابياً.
مصدر من داخل ائتلاف دولة القانون أكد لـ«الأخبار» أن «المالكي قد يلجأ بوصفه زعيماً لائتلاف دولة القانون، إلى طرح مرشحين اثنين لتولي رئاسة الوزارة، على أن يعفى منها العبادي»، وبحسب تلك المصادر، فإن «المالكي سيرشح النائب حنان الفتلاوي والوكيل الأقدم لوزارة الداخلية عدنان الأسدي».
في المقابل، إن ذهب المالكي نحو خطوة تصعيدية كهذه، فإن «أبواب جهنم» التي وعد معارضيه بأن يفتحها عليهم، ستفتح عليه، لجهة التوافق الدولي والإقليمي والوطني على العبادي، كبديل عنه.
مصادر سياسية مقربة من رئيس كتلة المواطن النيابية، كشفت لـ«الأخبار» أن «وزير الخارجية الأميركي جون كيري، هاتف العبادي مساء الاثنين، مهنئاً بالتكليف»، ووفقاً للمصادر فإن «كيري طلب من العبادي، تجاوز أخطاء المالكي في إدارة الحكومة، وأن يصحح الأخطاء الكبيرة التي ارتكبها، وأن لا يمضي بالسياسة نفسها».
وأبلغت المصادر ذاتها «الأخبار» أن «صفقة عزل المالكي اشتملت على تسمية القيادي الصدري البارز النائب ضياء الأسدي، خلفاً للعبادي كنائب أول لرئيس مجلس النواب، وتسمية رئيس التحالف الوطني إبراهيم الجعفري، كنائب أول لرئيس الجمهورية بديلاً من الخزاعي».
ويدعم الخزاعي المالكي، بينما انفض أقرب الحلفاء عنه، المؤتلفين معه، كرئيس كتلة مستقلون (12 مقعداً) حسين الشهرستاني، ولم يبق سوى كتلة بدر بزعامة هادي العامري (21 مقعداً) الذي لم يظهر في الصورة مع أي الفريقين (التحالف الوطني) أو (جناح المالكي)، فيما تشير التسريبات إلى أن العامري يفكر في إبطال «الزواج الكاثوليكي» مع المالكي، غير أن تسريبات أخرى تحدثت عن نية الرجلين البقاء تحت قبة البرلمان ككتلة معارضة قوية.