القاهرة | هذه المرة لم يتحدث حسني مبارك كرئيس للمصريين من قصر الرئاسة. بل كمتهم ينتظر قرار المحكمة بالحكم عليه في جلسة 27 أيلول المقبل، تحدث 25 دقيقة تقريباً بلغة عربية فصحى ولهجة صحيحة في خطاب لم يخطئ فيه سوى مرة واحدة فقط وظهر كأنه لم يتأثر بالحبس خلف أسوار المستشفى وسجن طره.
تأخر مبارك في الوصول إلى المحكمة بسبب الأحوال الجوية التي حالت دون تحرك طائرته في موعدها.
ظهر مبارك في حالة صحية جيدة مقارنة بالجلسات السابقة، فالرجل الذي حكم مصر لمدة 30 عاماً لم ينطق أمام المحكمة في الجلسات الماضية إلا بكلمات محدودة كانت غالبيتها «أفندم أنا موجود» رداً على رئيس المحكمة لإثبات حضوره في الجلسة.
بانضباط العسكري المتقاعد ومخاطبة العاطفة قبل العقل تحدث مبارك في رسالة إلى مؤيديه أكثر منها إلى المحكمة، فحرص على استغلال الفرصة التي سمحت بها الدائرة للمرة الأولى ليتحدث عن «إنجازاته» ويعرضها بعيداً عن موضوع القضية.
يحاكم مبارك باتهامات حكم عليه فيها بمحكمة الدرجة الأولى بالأشغال الشاقة المؤبدة، وهي التحريض على قتل متظاهري ثورة «25 يناير» برفقة وزير داخليته اللواء حبيب العادلي و6 من كبار مساعديه. ينفي مبارك وباقي المتهمين هذه الاتهامات. كذلك يُحاكَم مع نجليه علاء وجمال ورجل الأعمال الهارب حسين سالم في قضية استغلال النفوذ والتربح من المال العام في بناء قصور خاصة في مدينة شرم الشيخ.

ظهر مبارك في
حالة صحية جيدة مقارنة بالجلسات السابقة


لم ينف محامي مبارك فريد الديب أن موكله فاسد في قضية استغلال النفوذ، ولكن دفع بانقضاء الدعوى بالتقادم حيث دارت تفاصيلها عام 1997، وهو ما يعني سقوطها لمرور أكثر من 10 سنوات على ارتكاب الجريمة قانوناً. أما الرئيس المخلوع، فتحدّث عن مضمون القضية في ما لا يتجاوز دقيقتين، وسط حديث عن «الإنجازات». أعاد كلامه للأذهان الخطاب العاطفي الذي بثه في الأول من شباط 2011 لثني الثوار عن استكمال ثورتهم والاستجابة لرغبته في إجراء انتخابات رئاسية مبكرة.
عرض مبارك في كلمته علاقته بالقضية الفلسطينية، وتطرق لأسلوب إدارته لعلاقته بإسرائيل بالقول: «أدرت العلاقات مع إسرائيل كمن يمشي على سلك مشدود دون أي تهاون في حقوق الشعب الفلسطيني. ورفضت زيارة إسرائيل طالما بقي الاحتلال، وظل موقفي متمسكاً بأسس عملية السلام، مناهضاً للانقسام بين الضفة وغزة، راعياً للمصالح الفلسطينية. لم أتردد لحظة في تقديم دعم مصر للمحاصرين في غزة، لكني تصديت لمحاولات تهديد أمن مصر القومي عبر حدودنا مع هذا القطاع. حافظت على السلام، (...) ولم أقامر بأرواح المصريين قط في مغامرات غير محسوبة، وحرصت في ذات الوقت على تطوير قواتنا المسلحة عتاداً وتسليحاً وتدريباً».
ودافع مبارك عن نفسه قائلاً: «إن محمد حسني مبارك الذي يتحدث اليوم أمامكم، لم يكن ليأمر أبداً بقتل المتظاهرين، لم يكن ليأمر أبداً بإراقة دماء المصريين، فليعلم الجميع أنني حافظت على استقرار مصر وأمنها الوطني، ولم يكن من الحقيقة أبداً أن أتهم بالفساد والإضرار بالمال العام أو التربح، فلا شرفي العسكري ولا اعتزاز بنفسي كإنسان قضى عمره بشرف وأمانة يسمحان لي بذلك». وواصل حديثه بلهجة عاطفية قائلاً: «إنني أثق في عدالة المحكمة وحكمها وسأتقبله بنفس راضية. الحكم العدل هو حكم التاريخ، ولعل حديثي إلى حضراتكم اليوم، هو آخر ما أتحدث به حتى ينتهي العمر، وأوارى في تراب مصر الطاهر. وإنني وإذ اقترب العمر، أحمد الله مرتاح الضمير، أن قضيته مدافعاً عن مصر ومصالحها وأبنائها حرباً وسلاماً».
كلمات مبارك العاطفية جعلت نجله الأصغر جمال يقرر الخروج من الجلسة متأثراً بحديث والده، من دون أن يستمع موعد النطق بالحكم. «آل مبارك» حضروا بالملابس الزرقاء، تنفيذاً لحكم الإدانة بحبسهم 3 سنوات في قضية القصور الرئاسية. أما الدعوى التي عقدت جلسة محاكمة مبارك فيها أمس، فتصدر المحكمة حكماً فيها يوم 27 أيلول. وهذه الدرجة هي ثاني درجات التقاضي، إذ يبقى له بعدها اللجوء إلى محكمة النقض، وهي الدرجة الأخيرة ليكون بعدها الحكم واجب النفاذ ونهائياً.
رد الشارع على مبارك كان سريعاً. فمؤيدوه، ومعظمهم من مؤيدي الرئيس عبد الفتاح السيسي، أبدوا تعاطفهم معه وهو ما ظهر عبر صفحات «آسف يا ريس» على موقع «فايسبوك». بينما أطلق معارضوه دعوة للتظاهر أمام المحكمة يوم النطق بالحكم للقيام بثورة جديدة حال حصوله على حكم بالبراءة.
الأحزاب والقوى السياسية المؤيدة لمبارك والمنبثقة من حزبه الوطني المنحل فضلت التزام الصمت، على العكس من الأحزاب التي عارض مؤسسوها وجوده في السلطة وكانوا من ضمن المشاركين في الثورة مثل حركة 6 أبريل وحزب المحافظين، بالإضافة إلى التيار الشعبي وحزب الدستور.